تابعت منظمة حمورابي لحقوق الانسان بقلق شديد، اعمال العنف الممنهج الذي طال العراقيين المتظاهرين لأجل ابسط حقوقهم امام المنطقة الخضراء يوم ٣ أيلول ٢٠٢٤. علما ان أكثر المتظاهرين هم من الصيادلة والأطباء وخبراء المختبرات وطاقم التمريض وطلاب وغيرهم.
من المؤسف ان تكون بعض الأجهزة الأمنية أدوات لا تحترم الدستور ويتصرفون وكأننا في الزمن البائد لا حق للأدلاء بالرأي لأجل ابسط الحقوق؟! الى اين نعود أيها العراق الجديد؟ هل صدقتم ام لا، باننا قد غيرنا النظام من الاستبدادي الى ديمقراطي؟ أي من مصادرة الرأي الى حرية الادلاء بالآراء والحوار والتفاهمات؟ وهل للدستور مكانة حيث من الديباجة والى العديد من المواد يؤكد على احترام قواعد القانون، وتعزيز حرية الرأي وضمان امن التظاهرات كحقوق مكتسبة تشغل قلب الدستور.
أ لسنا اليوم في نظام ديمقراطي وليس قمعي؟ وهذا يعني للشعب كلمته ومكانته، لأنه "مصدر السلطات" وغايتها. وهنا نعيد التذكير بما ورد في بعض المواد من هذا الدستور الذي يتم خرقه بكل بساطة وأمام مرآى ومسمع جميع السلطات المدنية بما فيه القضاء! إن الدستور هو الضامن الأساسي لحرية فئات المجتمع بمختلف اطيافه. ولا يكفي سن النصوص الدستورية والقانونية لحماية الحريات العامة، إنما ينبغي أن تتقيد السلطتان التشريعية والتنفيذية في كل تصرفاتها بالنصوص الدستورية أولا وبالتشريعية ثانيا، وهذا ما يطلق عليه مبدأ سيادة القانون.
ونظرا لجريمة التعرض للتظاهرة الاخيرة يمكننا عرض مواد دستورية كالاتي:
الديباجة تنص على: " نظام الحكم في العراق هو اتحادي ديمقراطي تعددي، عقدنا العزم برجالنا ونساءنا وشيوخنا وشبابنا، على احترام قواعد القانون، وتحقيق العدل والمساواة:": وهذا يعني للجميع شان في إدارة حقوقهم واداء واجباتهم، أيتها الأجهزة الأمنية المحترمة فالإطاحة بالمتظاهرين هو عكس واجبكم المتمثل في تامين حياتهم خلال فترة مطالباتهم المشروعة بالسماع لتلك المطالب واستلامها مكتوبة وايصالها الى الجهات المعنية، وليس لا الاقتراب ولا الاختلاط بين المتظاهرين كونكم مسلحين ووجودكم هو لحماية تجمعهم وهم عزل، ذلك ببقائكم امتار في مسافات بعيد منهم، لتجنب أي احتكاك بينكم وبين المتظاهرين الغاضبين بسبب أوضاعهم الصعبة. مبدئيا في خدمتكم أو مهامكم، يتعلق الامر بأمن المواطن أيا كانت مكانته وظروفه. مهامكم هو خدمة حماية حياة المواطنين قبل أي شيء آخر. وبجميع الأحوال، ليس مهامكم لا لتوجيه المسبات ولا الضربات التي بها تحرضون العزل الذين بدورهم يحاول الدفاع عن نفسهم بوجه أسلحتكم المسلطة ضدهم. بالنتيجة وكونكم جزء من السلطة ومسلحون تواجهون العزل وأنتم مسلحون! فلا يمكن تبرئة افعالكم والتي للأسف الشديد، ربما أدت الى وقوع جرحى بينكم. وهذا تحصيل حاصل للترهيب والمواجهة المسلحة التي شهدتم لها. وإذا تقتصرون ذلك المهام على مبدأ حماية الدولة المتمثلة
في شخصيات السلطة بحد ذاتها بدون هدف وجودها كشخصيات عامة أي المواطن، فأنتم بحاجة الى المزيد من التفاصيل. وبكل تأكيد سوف نسمع منكم تقولون "نحن عبد مأمورون". وهذا أيضا غير مقبول، لان زمن العبيد قد ولى، وتحاسب الفظاعات أيا كان مرتكبيها، لأنها جرائم خطيرة وانتهاكات جائرة ومطلوب التساؤل يا ترى: أمن من مهامنا الاساسي؟ أي حتى لو كان المهام حماية مسؤول الهدف الأساسي هو خدمة المواطن. فعلينا كمواطنين ان نتساءل الى ابعد من ذلــك: مثل من خولكم بهذا القدر من الاستبداد ضد اشخاص تعبوا على نفسهم في نية العيش الكريم وخدمة وطنهم؟ وهذا من ابسط حقوهم اي المطالبة بحق العمل. فلنتواصل مع الدستور لنرى مدى التزام السلطات الأمنية المعنية باحترامه:
المادة ٣٨ تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل
أولا: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والنشر
ثانيا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وينظم ذلك بقانون، وحتى في حال عدم وجود قوانين بعد بهذا الشأن، فالدستور هو قانون القوانين.
المادة: ٩ /أولا تنص على: “تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي ...وتخضع لقيادة السلطة المدنية، ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية الخ. اذن من تكون الجهة السياسية التي منها استمد العناصر المسلحة بملابس مرقطة قوتها وسلطانها وباسم قوات الشغب محاولات القتل وايقاع الجرحى واهانة وضرب النساء "بالبوستطالات" بما فيه في الضرب المبرح في بطونهن وليس فقط السب والشتم والجر بالشعر والملامسة بالترهيب والتهديد ووصفهن بكل الألقاب النابية! شهدت احدى الضحايا في لقاءها مع منظمة حمورابي لحقوق الانسان، ما لا يقبله العقل من تخلف وعنف تمارسه تلك الاجهزة التي لا يمكن ان تكون تابعة لمؤسسات للدولة باي شكل من الاشكال وتعنى بحماية العراقيين والعراق.
المادة ٢ -ج تنص على "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحريات الواردة في هذا الدستور" هل بعد هذا النص تعود تلك القوات المعترف بها "امنية" الى القانون للزمن البائد الذي يجيز لهم القمع والقتل بسبب ممارسة الحريات كحقوق إنسانية؟
المادة ٥- السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها.... هل نسى الجهاز هذا، بان الشعب هو الذي يعطيهم شرعية مناصبهم التي بدلا من حماية وخدمة المتظاهرين كشعب يعبر عن معاناته بشكل شريف، وهو يمارس أول معايير وجود الديمقراطية أي التظاهرة، يفرشونهم بعض الأجهزة الأمنية جرحى واهانات في ساحات بغداد وغيرها من المدن العراقية باستخدام السلطة والقوة بإفراط وبغير مكانها.؟ بينما الحدود العراقية تخترق، وسيادة العراق يصيبها الكر والفر والخ، نتيجة لانتهاكها جهرا فاين عضلات هؤلاء "الابطال" الذين يستخدمون أدوات الضرب المبرح لإسالة دماء كوادر لم يفعلوا الا ممارسة جزء صغير من حقهم كمطالبة بعيش كريم؟
المادة ٧ -ثانيا تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع اشكاله ... هل هذه الممارسات ليست إرهابا مقننا ومفروضا؟ من يعلم؟ وشهادة احد الجرحى لحمورابي قال "انهم كانوا بعلم قيادات، وبشكل ممنهج من جماعة المخدرات أو بالأحرى ممن تدرب لمحاربة المخدرات، وكأنهم لا علاقة لهم بقوات الشغب في المدن". كيف يمكن ان تقبل يا دولة رئيس الوزراء، ان تعم الفوضى في صفوف الأجهزة الأمنية المتعددة هذه؟ هل من داع لكل هذا السلاح في الشوارع العراقية لتوجه الى صدور العراقيين؟ ما الذي فعله المواطن الا العيش في الويلات التي لا تضعون لها نهاية؟ حسب مسؤول في تنسيقية المظاهرات، وقع ٢٥ جريحا منهم اثنان في خطر واثنان آخران مفقودان، بالإضافة الى إهانة الباقين في التحقيقات، بينما كانوا رسميا قد طلبوا موافقة ممارسة هذه التظاهرة وتنسيقيتهم معروفة لدى لأجهزة الأمنية!
د-" يقوم جهاز المخابرات الوطني العراقي بجمع المعلومات وتقويم التهديدات الموجهة للأمن الوطني وتقديم المشورة للحكومة العراقية، ويكون تحت السيطرة المدنية، ويخضع لرقابة السلطة التشريعية ويعمل وفقا للقانون وبموجب مبادئ حقوق الانسان المعترف بها": ما الذي قامت به الأجهزة المخابراتية والامن الوطني لمنع وقوع هكذا انتهاكات فضيعة لا تضيف على العراق الا أكثر تخلفا وتراجعا في كل العملية التنموية لا بل شهادة متواصلة للتفنن في العنف وتعنيف الشعب وفي مقدمتهم النساء؟ وفق أي قانون يسمح للأجهزة هذه القيام بهذه الجرائم والدستور يحمي مجالين للحقوق وهما: القانون ومبادئ حقوق الانسان أي التزامات العراق الدولية بخصوص القانون الدولي لحقوق الانسان الذي عراق طرف فيه وملزم به من خلال العديد من الإعلانات والاتفاقيات الملزمة كالإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدان الدوليان لسنة ١٩٦٦ الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي تظاهرة ٣ أيلول كما في كل التظاهرات السابقة التشرينية وغيرها، كل هذه الانتهاكات هي انتهاكات صارخة وتستحق الإدانة وتحقيق العدالة بمحاسبة من ورائها والقائمين عليها أيا كانت مناصبهم بالإضافة الى تعويض المتضررين واهاليهم بما لحق بهم من اذى جسدي ونفسي.
المادة ٢٢/ أولا:" العمل حق لجميع العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة.." ما الذي فعله المتظاهرون الا تطبيق هذه المادة؟ لمن وجهت هذه المادة الدستورية، فقط للذين لهم مناصب وملتصقين بها؟ أم ان هؤلاء المأمن عملهم نسوا بأنهم خدمة للذين لا عمل لهم!! اي الجهاز الأمني مهامه حمايتهم والإدارة مهامها استحداث فرص العمل لهم وتسهيل مطالب القطاع الخاص لاستيعاب أكثر عدد ممكن منهم، لا بل احترام تلك الحقوق التي غالبا ما هي موزعة على أسس طائفية بحتة.
ثانيا: تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، او الانضمام اليها .... ما مهام هذه النقابات ومنظمات مدنية حكومية وغير حكومية الا التظافر لإيصال صوت المعنيين من المواطنين بكل الوسائل المتاحة، بما فيه تنظيم المظاهرات بهدف انتشال حقوق كل فرد من الايادي التي لا تفسح المجال للعامة.
المادة ٣٧: أولا أ-"حرية الانسان وكرامته مصونة" يبدو كالعادة العراقيين يكتبون أحلى الأشياء ويمارسون أسوأها بدون أي مساءلة للضمير الذي بالفعل اكثر فاكثر، يحسب بين الموتى! صيانة كرامة المتظاهرين كانت واجب جميع الأجهزة الحكومية وغيرها وفي مقدمتهم الأجهزة الأمنية المسلحة الذين مطلوب من الأجهزة المدنية عدم تركهم لوحدهم في ساحات التجمعات العامة بدون تحديد نقاط وقوفهم خلال القيام بعملهم، بعيدين عن التجمع ذاته، لتجنب التحريض الى اعمال العنف. لذا للأسف الشديد، ما نتج لم يكن سوا شهادة تمتعهم بتصاعد غريزة العنف وسفك الدماء من قبل الطرفين حيث لا وجود لهذه المادة في مخيلتهم.
ب- "لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي" هل من احترام للأجهزة القضائية في اعطاءهم الفرصة اللازمة للقيام بعملهم؟ أم ان العراق أصبح فريسة لكل من يستقوي بالغريب؟
لمادة ٤٦: "لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون أو بناء عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية". ويعني خلاصة هذه الحقائق هي ان القوانين التي تمس جوهر الحق والحرية الإنسانية لا يمكن العمل على اساسها. لذا الطريق طويل امام السلطات الأمنية والمدنية قاطبة، ليفهموا ويمارسوا حماية هذه الحقوق التي تستنبط من علو حق الانسان وقدسية كرامته التي لا يمكن المس بهما لاي مبرر كان، بل خدمة الانسان في الحكم بالعدل والمساواة وتصحيح مساراته واحترام كافة حقوقه البسيطة والاساسية أكانت طبيعية ولدت مع ولادته، او تلك المكتسبة التي تم تشريعها بقوانين ...
ننهي بتكرار ان كل انتهاك موجه لكرامة الانسان يمثل جريمة. لان كرامة الانسان متأصلة فيه وغير قابلة للتصرف. ولأجل تلك الكرامة التي تعطي علو الانسان على باقي المخلوقات كان ويتواصل الحق او الحقوق ان تكون مطالبا من قبل أصحابها أيا كانت قبضة السلطات وهذا معيار الديمقراطية ...
عاش عراق الديمقراطية واحترام الحريات
منظمة حمورابي لحقوق الانسان/ بغداد 5 ايلول 2024