Skip to main content

الأحماض السياسية العراقية !!

المقال الأسبوعي المنشور في صحيفة الوطن العمانية يوم 27/11/2015

الأحماض السياسية العراقية !!

                                                                      عادل سعد

   وسط افتقاد البوصلة الوطنية يتطلب الوضع السياسي في العراق ان يكون هناك (بنك افكار) يخص الحاجات الوطنية في الاطار الاستثماري الذي يجعل الدولة العراقية قادرة على الاستعانة بها وفق ما يحقق الاهداف التي من شأنها ان تدفع البلاد بعيداً عن حالة التشرذم والانغلاق وسياسات التشفي والنكايات وكيل الاتهامات بين المكونات الحاكمة ، واذا كان الالبان قد قالوا (ان الاحماض القوية تأكل اوعيتها) تظل سداسية الزهد  والورع والقناعة والصبر والتوكل والرضا هي التي تخفف من نسبة تركيز الاحماض السياسية العراقية ، واذا كان شكسبير قد قال (ان الطريق الافضل لا يخضع للمساومة) فأن من الافضل للساسة العراقيين ان ينتزعوا من اولوياتهم ذلك الانغلاق الطائفي والمناطقي والاثني الذي جر على البلاد الكثير من الويلات والحماقات واخر الحماقات ان يلجأ عراقي كردي الى احراق علم بلاده نكاية به .

   قد يقول بعضهم انهم في خدمة مثل هذا (الافضل) ، ولكن قائمة التحديات طويلة ، وان علينا ان نتفق أولاً على مواجهة هذه التحديات ومن ثم الانصراف الى قضايا اخرى ، وكأنهم بذلك يقتفون اثر تلك الفئران التي ما زالت تتبادل الاراء ! على من يتطوع ليعلّق الجرس في رقبة القط لكي يكون صوت الجرس انذاراً لهم من اجل ان يتدبروا اوضاعهم وينجوا من (غاراته) المتكررة .

   لقد كنت احد المدعوين الى ورشة تشاورية عقدت في الحادي عشر من الشهر الجاري بمقر مجلس النواب وحضرها رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري وعدد من اعضاء لجنة العلاقات الخارجية فيه ، ومجموعة من النخب الاكاديمية والاعلامية ، كان الموضوع عن السياسة الخارجية العراقية ، اين هي الان من الاحداث الاقليمية والدولية ؟ ولماذا لم يستطع العراق حتى الان ان يكون رقماً مؤثراً في احداث الساعة ؟ وكما التقينا اختتمنا الورشة بعدد طويل من التوصيات والمقررات التي لم تكن جديدة في كل الاحوال .

   لقد عكست المناقشات والحوارات التي جرت هموم النخب السياسية والثقافية والاعلامية العراقية ، ولم يشذ عن ذلك متحدث واحد ، غير ان الهم الاكبر بشأن هذه السياسة لم يطرح على بساط التشخيص ويكمن في ان اغلب المتصدين للسياسة العراقية الخارجية يدعون الفهم ، وانه ينبغي ان تؤخذ اراءهم على انها مرجعية وليست وجهة نظر ، لذلك تجدهم تحت طائلة الادعاء المطلق انهم قادة هذه المهمة .

   لقد تفتت النفوذ العراقي القائم على المصالح المشتركة ، سوى ان كانت ثنائية منها ، او في الاطارين الاقليمي والدولي تحت يافطة التنافس بين السياسيين العراقيين في نقل صور متناقضة بغلاف خارجي مادته العراق ، وبمضمون ما تريده هذه الطائفة او تلك ، واستطيع ان اجزم هنا ان كل العواصم في الاقليم الذي يضم العراق سمعوا من مسؤولين عراقيين آراء ومقترحات وتمنيات متباينة في الطرح ، وتلك هي احدى مصائب السياسية العراقية الحالية ، مع ملاحظة ان الاطراف الاقليمية هي بالضرورة تستجيب لما يطرحه هذا الطرف العراقي او ذاك تبعا لمصالحها .

   وليس من السر ان نقول ان اغلب الاطراف الاقليمية والدولية وجدت في هذا (البازار) السياسي العراقي ما يريح تصوراتها ، وليس في تلبية المطالب العراقية الوطنية ، بل في استرخاص واضح لصالح علاقات مع هذا الطرف او ذاك ، وهكذا نجد ان هناك سياسيين عراقيين يمتدحون السياسة التركية إزاء العراق ، واخرين يصفونها بالخرقاء وتمثل تدخلاً في الشؤون العراقية ، وكذلك الحال بالنسبة للتعامل مع سياسات دول اقليمية اخرى ، وهكذا ، ومن محتوى البناء على الموضوع بمقتضاه ، اقول ان المجمل العام للسياسة الخارجية العراقية ما زال يتعاطى الشأن الدبلوماسي على اساس التفاطن ، وردود الفعل ، الوضع الذي اتاح لبعض القوى الدولية ان تتجرأ بطرح الفكرة الواهية التي تقول ان خلاص العراق بتقسيمه الى ثلاثة دول وهم ينسفون بذلك كل التاريخ الحضاري الراسخ والمعروف للعراق الواحد .