Skip to main content

التظاهرات حقوق مشروعة ومحطات للوعي" "

                                                                                                    بقلم باسكال وردا

                                                                                رئيسة منظمة حمورابي لحقوق الانسان

                                                                                 وزيرة الهجرة والمهجرين الاسبق

 

ضربت التظاهرات التي تعم العراق الركود السياسي في الصميم خاصة مع حصول اعمال شغب في غاية الشدة بهدف تطبيع العنف بأشكاله بما فيه التوقيف وقتل العشرات وجرح المئات مع محاولة تبرير استخدام السلاح ضد المتظاهرين واعتباره وسيلة لابد منها وخاصة في الاونة الاخيرة! وهذا شيء لا يقبله  العقل البشري الا في أنظمة قمعية بغرض تكريس الطغيان واخضاع المواطنين لإرادات شخصية تشرعنها مجموعات توصف  نفسها بالاحزاب اوالحركات السياسية .

 ففي الحالة العراقية اليوم، للأسف الشديد لا يختلف التعامل مع المظاهرات عما ذكرناه أعلاه، لا بل تبين الاسوأ في تصريحات غير مسؤولة اطلقها بعض أعضاء مجلس النواب متباكين على "ممتلكات الدولة" واية ممتلكات؟؟!!، بدلا من تأسفهم على سقوط اعداد من الشهداء وآلاف الجرحى بين المضحين بالأرواح من شباب العراق. لكن وبكل وضوح ندرك سهولة هذه الاستهانة بقيمة الانسان لدى من استغلوا الانتخابات بممارسة جميع اشكال وسائل الوصول الى البرلمان بالطرق التي يعلمها الداني والقاص . ما يعني لا يهتم هؤلاء لجرائم  انتهاك حقوق العراقيين وقمع حرياتهم ومنها حقهم في التظاهر والعيش بحرية وامان في بلدهم وغيرها من التجاوزات علـي القوانين من خلال تعديلها نحو السلبي ووضع تشريعات جديدة مخلة بحقوق وكرامة المواطنين كالتي استهدفوا بها شرائح واسعة في المجتمع باسم ما ادعوا به "الإصلاح" بدلا من ان يسمونها الظلم وانعدام الحس بالمسؤولية مثل اللعب التي منذ ٢٠١٥ يلعبونها ضد المتقاعدين في سبيل المثل وليس الحصر، واعادة المادة ٢١ المزيفة والمنتهكة لحقوق الأقليات غير المسلمة من قانون الأحوال المدنية بعد الغاء هذا القانون، استعيدت  المادة الخلافية ٢١منه مقطع ٣ لحشرها مرة أخرى في قانون البطاقة الوطنية والمتمثلة في مادة ٢٦. بينما جميع السلطات تعلم جيدا بان هذه المادة هي مادة خلافية ومنذ اول تشريعها في الخمسينات ولدى تعديلها في بداية السبعينات وحيث هي اقوى أسباب هجرة العراقيين المسيحيين  والمطالبات بإلغائها وتعديلها متواصلة .

نحن كمنظمة حمورابي، ومنذ ٢٠١٢ نواصل الحث على التعديلات بدون اية آذان صاغية.. ان حق احترام التنوع الديني ومنع انتهاك حق الطفل في الفرض عليه أي قرار مصيري معين مثل الدين وهو غير كفؤ في ذلك القرار لأنه لم يدخل سن الرشد وهذا من الحقوق المحمية دستوريا في الدستور العراقي ، وأيضا محمية دوليا في جميع المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بحماية حقوق الانسان والعراق طرف فيها.

 المؤسف هنا هو على كل هذه الالتزامات القانونية تعلو إرادات وتفاسير تعزى الى الشريعة الاسلامية لتبقى ذريعة بيد المتطرفين بهدف زعزعة اللحمة الوطنية بالمس بحقوق المواطنة وترسيخ التطرف.

ما من عاقل لا يعلم بان التخريب من جانب المتظاهرين امر يخرج المظاهرات من هدفها المشروع . وهذا مهما كانت الوسيلة التي تؤدي الى الخروج من حدود المعقول الخاص بالمظاهرات السلمية المتواصلة وذات مطاليب مشروعة و لا تحتاج الى التعنيف، بل الى الالحاح على الحق الى ان يتم  الحصول على الاستجابة لتلك المطالب أيا كانت مبررات السلطات. لان المظاهرات ليست فقط مظهر من مظاهر الديمقراطية الأساسي بل هي اللغة المتداولة في جميع الدول بين المواطنين وسلطاتهم وخاصة لدى تعثر او تجاهل الدولة القيام بواجبها تجاه المواطنين..

ان ما يفاقم واقع التظاهرات، أي حق التظاهر أصبح كارثة قد ازيل عنه طابعه وميزته كمظهر من المظاهر الأساسية للديمقراطية. وذلك من جهة من قبل السلطات التي لا تزال غير منتبهة الى منافع سلوك ومظاهر الديمقراطية ولا بنتائجها السلبية في حال تفاقم الوضع ووصوله الى واقع الفوضى المخلة بجميع المبادرات كما نراه اليوم في عدد من مدن العراقية وفي مقدمتها بغداد العاصمة. وذلك ليس الا تحصيل حاصل أولا لعدم فهم أهمية التظاهرات وقيمة مطالبها وغياب محاولات إيجاد الحلول الحكومية الاصلاحية اللازمة، أو من المتظاهرين أنفسهم الذين تستغل مطالبهم الشريفة من قبل جهات ترى في الفوضى والتخريب طريقا لها للاستحواذ على السلطة او على الأقل زعزعة الوضع الأمني والاقتصادي في العراق.

  في النظام الحكم الجديد في ديمقراطية العراق، هناك ما هو اغرب كل الغرائب وهو انعدام فكرة احترام الراي والرأي الاخر المختلف ونبذ وجود معارضة حقيقية في جسم السلطة العراقية التي مبدئيا يجب ان تكون أداة البناء الديمقراطي وتنظم نفسها كمعارضة ضرورية لمنافسة شريفة تختلف عن كونها معادية لكل ما يهدف الى الفوضى والانفلات. هذا يعني تتجاهل كل تلك الجهات دون استثناء امرا مهما جدا الا وهو الفرق بين المعارضة والمعاداة. المعارضة لابد منها للتأكيد على سلامة وتطهير النظام السياسي من فكر شمولي اعمى يعني مبدئيا، التغير الى فكر ديمقراطي منفتح ومعترف بدور لكل مواطن في عملية بناء صحيح لدولة جديدة،  وكل من حسب موقعه. التظاهرات هي جزء من هذه الادوار الشعبية مبدئيا بهدف رفع الظلم و تعديل المسار السياسي. هذا الأخير  غالبا ما يكون ضحية عاملين مختلفين:

 الأول ذاتي ويجسده الأشخاص او المجموعات القائمة على مسؤولية المشاركة في السلطة.

 والعامل الثاني هو موضوعي أي ما يولد التأثير من قبل الاخرين، ويمكنه ان يتكون هذا من شقين مختلفين في ماهيته لكنهما متحدين في الهدف وهما:

 أ- ذاتي او داخلي مثلا الاشخاص والأحزاب والجهات المشاركة فيما بينها و خاصة المتسابقة على السلطة، غالبا ما تستخدم كل الطرق حتى غير المشروعة لمجرد الوصول الى أهدافها السلطوية  بالإضافة الى رسائل فارغة من الحقيقة ووعود وردية،  لا يستبعد شرعنه قتل الأشخاص وهدم الممتلكات أيا كانت النتائج فقط لأجل تحقيق غايات هؤلاء الأشخاص المتنفذين. 

 ب- الشق الاخر ويتمثل  بقوى خارجية سيما دول الجوار وباقي الدول التي تبحث عن مصالحها في العراق دون أي اعتبار كان للشعب العراقي وذلك تارة بشكل غير مباشر باستخدام متعاونين من خلال مختلف الهويات كالهوية الدينية، والهوية الطائفية والثقافية الخ ناهيك عن الاطماع الواضحة في خيرات العراق، من العوامل التي يمكن ان تكرس تدخل تلك الجهات في الشؤون الداخلية وتزعزع المسار الديمقراطي الى التدمير الكلي في العراق؛ وتارة أخرى بشكل مباشر من خلال التدخل المسلح او التجارة غير المشروعة مثلما يحدث الان في مسالة المتاجرة بالمخدرات حيث كان العراق حرا طاهرا منها، أما الآن للأسف الشديد يبدو ان هذا المرض المنقول من دول الجوار لقد غزى حتى المدارس في المدن الكبرى وفي صدارتها بغداد. دون شك ان هذه المعاداة  تشهد على مخاوف عميقة من تأثير التغيير الحاصل في العراق على سياسات ومصالح دول الجوار.  يتناسى هؤلاء التقليديون بان العولمة اختطفت منهم النظام النمطي والانعزالية ولقهر الشعوب بدون كاميرات أصبحت فكرة غير ممكنة بسبب التطور التكنولوجي الذي غزى العالم بوسائل التواصل الاجتماعي ، ليس على مستوى البلدان وغزو أراضي ولا حتى من خلال سياسات معينة كما كان في زمن الغزوات الدينية والاستعمار ولا حتى الحاجة الى الاحتلال، بل غزى العالم من خلال كل فرد على الكرة الأرضية، كل فكر وكل ثقافة ليجعل من هذا العالم ليس قرية واحدة فحسب بل كف واحد من خلال الشاشة التي ما من شيء ابسط من الحصول عليها والالتصاق بها. هذا الامر أي حق التواصل الاجتماعي لم يعد موضوعا يسخر منه ويقلل من اهميته بعض الطغاة كما يحدث في كوريا الشمالية مثلا معتقدا قطعه يسهل الطغيان، بل انه قد تم  الاعتراف به كحق من الحقوق الاساسية للإنسان منذ ٢٠١٧ و حيث أي انتهاك او أي حدث وبغض النظر عن أهميته يكون امام العالم اجمع  في لحظات يهز العالم في اية بقعة من بقاعه. فما الحكمة اليوم من قطع الأنترنيت في العراق بين الحين والآخر ؟!! وأين التغيير من نظام طاغ الى "الديمقراطية"  أ لم يتمكن العالم معرفة ما يحدث من قمع التظاهرات في العراق دقيقة بدقيقة؟

 شيء لا يصدق كما ان السياسيين يفضلون فكر تراجعي لا يقبل التطور للإنسان!

  الأحزاب والحركات السياسية التي تقدم نفسها كجهات سياسية عراقية وخاصة الذين في البرلمان والحكومة ليسوا منزهين كما يعتقدون انفسهم ، بل العكس هوما نسمعه وما نراه انهم حقا مصابون بعقم سياسي لا ينجب اي قرار سياسي يهدف الى ايجاد اي حل جذري لأية ازمة كانت، وما اكثرها الازمات التي تراكمت علـى قلب العراقيين جيل بعد جيل بدون التصدي لها. وللحقيقة انا هنا لا أتهم الجميع            

ولأجل الكف عن الاستهانة بقدرات العراقيين كشعب صنع تاريخا عكس بظلاله الإيجابية على العالم وخاصة في ماضيه المجيد.         

هناك حقيقة لا يشوبها غبار وهي مطلوب من الذين يصلون الى مسؤولية ما في الخدمة العامة هم بحاجة ماسة الى التدرب لممارسة الديمقراطية ابتداءا من (معادلة ب+أ= با) في الديمقراطية لا بل في السياسة وإدارة البلد بشكل عام. لانه ما من شخص فيهم ورث ثقافة الديمقراطية بما فيهم الذين عاشوا في المهجر في أنظمة فيها الديمقراطية حيث هي النهج السياسي لجميع أحزاب تلك الدول، بكل اسف لم يستفيد منها العراقيون العائدون حالهم حال الذين كانوا تحت طغيان النظام البائد، لانهم لم يطوروا كفاءتهم ولم يفكروا انهم اهل ليخدموا العراق ديمقراطيا.

ما هي المعارضة في نظام ديمقراطي؟

 في الديمقراطيات التي اختبرها العالم المتقدم سياسيا، المعارضة هم الجهات المشاركة في السلطة ولكنها بعد خوض الانتخابات  لم تفوز بأكثرية الاصوات  أي لم تحقق الأكثرية المطلوبة لتشكيل الحكومة الجديدة او ليس من حظهم ولا واجبهم رئاسة الحكومة. طبيعيا يعتبرون انفسهم  معارضين لانهم يعتبرون برنامجهم وسياساتهم هي الاصلح للبلد.  ويقضي هؤلاء وقتهم في البحث عن كيفية الوصول الى السلطة بالعمل والانجاز وتصحيح المسار السياسي خلال وجودهم كمعارضين في  الحكم وذلك عن طريق بث الوعي لدى الناخب بأهمية التغيير من خلال اعتقادهم  اختيار برنامجهم الانتخابي والترويج له عن طريق الاعلام و الحملات الانتخابية وحتى بالمظاهرات السلمية اذا تطلب الأمر، أي  تبنى المعارضة على مشروع ذات وعود واضحة وعقلانية وانسانية ممكن تنفيذها لصالح المواطن سلميا تحت راية القانون  وليس بالانقلابات المسلحة، وصفقات مدفوعة الثمن التي يذهب بعض العراقيين الى المجيء بها من منابع غريبة تستغلهم. بينما لم ولن ترضى تلك الدول لا  بالاستتباب الأمني و لا بالتطوير السياسي ولا الاقتصادي في العراق .

فالانفتاح على الاخر هو السبيل للحوار والتغيير نحو الأفضل والأكثر تمدنا حتى الى من لا يقاسمنا الراي، أي المعارضين لهم أهمية  كبرى لتطوير الذات وفرض العمل النزيه و بالنتيجة يولد ذلك  حرصا ووعيا للعمل افضل وافضل في سبيل المنافسة الشريفة وكسب الخبرة في الحكم الرشيد.

اذا، المطلوب من الذي في السلطة ، ليس استخدام القوة ضد من في الانتخابات خولوهم امناء على مصالحهم من خلال الخدمة العامة وليس لقمعهم واسالة دمائهم، بل لحمايتهم ورفع وعيهم الى ان يدرك المواطنون بان في انعدام القدرة الحكومية على تحقيق مصالحهم والانصياع الى مطالبهم هناك جزء من المسؤولية تقع على عاتقهم أيضا. هذا ما لا يخفف من مسؤولية القيادات السياسية والحكومية من الذين يقع عليهم واجب حماية الحقوق وصيانة الكرامة الانسانية لكل فرد ومجموعة ينتمي الى العراق. ان حقوق الانسان لا تتجزأ  والكرامة الإنسانية لا يمكن التصرف بها.

نعم هذا كان ممكنا في زمن الطغاة ربما .اما اليوم، فقمع المظاهرات بالذات يعني افتقار أساسي الى فهم أسس الديمقراطية،  لا بل انعدام القدرة على خلق الحوار وايجاد إجراءات سلمية تأتي بحلول لمشاكل المتظاهرين. لان في نظام الحكم الديمقراطي، التظاهر والاعتصامات السلمية تمثل الطريق الاسلم

من خلال استلام مطالبهم للنظر فيها بغية القيام بإجراءات منها فورية ومنها متوسطة المدى تأتي بحلول ، وكذلك التمسك بالطرق السلمية قبل تفاقم الأوضاع وإلا، لا ثان لتفسير بان السلطات غير مبالية او مقللة من شان مطالب شعبها وتفضل القمع بدلا من تكليف مؤسساتها بالعمل الشاق الديمقراطي.

ان قمع التظاهرات يعني الاخلال بمظهر من المظاهر الأساسية في النظام الديمقراطي. وهذا يمكن ان يسبب الإطاحة  بكل العملية السياسية لأنه يؤدي الى تصعيد الغضب الشعبي. انه ايضا امرسوف يتطلب مساومات كثيرة من قبل المسؤولين وفي بعض الاحيان تؤدي الازمات هذه الى فرض الاستقالات على مستويات عليا ولا يستبعد ان تتطور الامورالى ثورة وانقلاب  سياسي او عسكري  في وسط فوضى لا محال. كل ذلك بسبب الافتقار الى الفطنة والحنكة السياسية اللازمة لادارة دولة تفوق خيراتها طاقة المسؤولين عن ادارتها. لقد تكرر مشهد الفساد والترهل والاهمال والانتظار السائب طيلة 16 عاما ما سبب تعريض العراقيين الى غزو اسود أمثال داعش وقبلها الحرب الطائفية  ثم الوعود غير الناضجة وينتهي بنا الدهر في العودة الى نقطة الصفر التي انطلقنا منها في نيسان 2003. وكل هذا لم يحدث حصيلة صدفة بل عبر مساومات من يوصفون أنفسهم بالسياسيين حيث كشفت التلاعبات بحياة العراقيين المسيحيين والايزيديين تارة بخلق ما سمية بالمناطق المتنازع عليها وتارة أخرى بالتهميش نتيجة هذا النزاع المصنع واكثر الأحيان يكتشف بهيئته المسرحية الغريبة بين الإقليم والمركز حيث كل من الجهات العربية والكردية تستغل ضعف المتبقين من اهل المناطق في سنجار وسهل نينوى وكركوك وتلعفر الخ.. لأغراض احزابهم التوسعية على حساب الأقليات الى أن أهدوهم للدواعش متفرجين على جرائم الابادات الجماعية التي مارسها مجرموا داعش لا بل لا تزال آثار المساومات السياسية مع هؤلاء الدواعش منبع العنف الشديد  بأشكاله وزعزعة الاوضاع يشهد لمؤامرات تم طبخها وتوزيع ماسيها على الحلقات الأضعف ومنهم تطورت الأمور ليتم غزو العراق بدون ان يحاسب احد الفاعلين المشاركين. المؤسف الذي حدث ولا يزال هو ظلم ضد المخلصين والمضحين .

أن الشبيبة التي أنتفضت على هذا الوضع الماساوي أكثرهم هم من لم يختبروا لحظة حياة طبيعية بدون الحروب والاقتتال الطائفي وخزي الانتخابات المزيفة بتجارة المناصب وواقع الفساد المستشري حالهم حال ابائهم وربما اسوأ. والكارثة هو في تطبيع كل هذا القدر من العنف المكلل بجرائم الإبادة الجماعية وتعويد المواطنين على العيش في مأساتهم طول حياتهم دون اي تعويض او خطوات نحوعدالة اجتماعية انتقالية يمكنها ان تساهم في تهدئة فكر الشباب بتعويضات مجزية والاستجابة لمطالبهم المشروعة كحقهم في حياة حرة كريمة..

أما مسؤولية اخراج التظاهرات من طورها السلمي فهذا يعني انعدام المسؤولية لدى المواطن المغلوب على امره بسبب سياسات جهات مستفزه تستفيد من غضب وعوز وانعدام الصبر الناتج عن التدني في الخدمات وتفاقم حالة الفقر وخاصة لدى حملة الشهادات العليا حيث سوء الخدمات يخل بقوة المبادرات الشخصية وعدم تعزيز القطاع الخاص بتهميش الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها واعتماد كلي على النفط و الذي ينتج أموالا اصفها بالسهلة لم تساهم الى الان في إيجاد طاقة بديلة للنفط الذي سوف تتجفف منابعه في غضون اقل من خمسين سنة مقبلة حسب تقديرات الخبراء في هذا الميدان..ونعود ونكرر بان الخلل هو اما لا إرادة لدى القيادات لممارسة صلاحيتها ام هذه القيادات لا تفقه بمهامها الحقيقية أو أنها أسيرة مسلوبة الإرادة الحرة .

كل هذه العقد الجدية  تتطلب حلولا منها سريعة ومنها قصيرة المدى ومنها متوسطة ومنها طويلة المدى، لان العراق يبدو الحال في اعلى مستويات الخطر. وهذا يتطلب تضافر طاريء دولي، ليس جهود الأمم المتحدة فحسب بل وأيضا جهود ومساهمات قوية ومباشرة للدول الصديقة المتمتعة بتكنولوجيا متقدمة جدا وسلوك اعمال اوالتنفيد كما يقال بالفرنسية (Savoir faire  )، إن التعامل العنيف الذي أنتج ضحايا بين المتظاهرين فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا وعلى السلطات المعنية ان تحاسب القائمين على جرائم القتل وجرح المتظاهرين وتمارس عدالة انتقالية بينها وبين أهالي الضحايا لتعزيز وعي اكثر مسؤولية لدى القائمين على العملية الأمنية واحقاق الحق والسعي الى الحد من العوز الذي يتفاقم من وجود العراقيين الذين لم يحظوا لا بوظيفة ولا بإمكانية التطوير الذاتي اقتصاديا لسد ابسط احتياجات الحياة اليومية دون ان تنسى السلطات  بان هؤلاء هم الأكثرية الكبرى في العراق ومنذ 16 عاما لم تف الوعود ما جعل غضب الشارع يدخلهم في فوضى عارمة لا يمكن تجاهلها من جانب والهجرة الممكن وصفها بالنزيف البشري تتواصل هدمها في مجموعات عديدة من النسيج الاجتماعي العراقي حيث ليس فقط الأقليات مهددة بالانقراض من أراضي اجدادها بل وأيضا الاكثريات خاب أملهم من اي حل لمشاكل حياتهم المتراكمة بدون حلول..

والمؤسف لكل هذا تحاول السلطات العليا مجتمعين والتي مبدئيا وحسب الدستور العراقي تتمتع بقوة القرار للتدخل باوامر وقف نزيف دم المتظاهرين بمنع استخدام السلاح ضد العزل ، تحاول التنصل عن مسؤولياتها الادارية والأخلاقية لما يحدث بيد من يقتل بالقناصات واطلاقات نار علـي الشباب بدون رقيب، ويبدو أن السلطات العليا لا تعلم من الذي يقتل العراقيين في التظاهرات التي هي من ابسط حقوقهم المدنية؟! اما الحل الوحيد المعمول به الى الان هو قطع الانترنيت! دون الحديث عن الوعود التي نطق بها رئيس الحكومة ،لكنها بما انها لاتزال وعودا فلا يصح ان نسميها حلولا. نحن بانتظار بروز قوس قزح في الأفق اي امل جديد في احقاق الحق وإعادة الهدوء والسلام في جميع انحاء العراق وكشف ومحاسبة من وراء هذه الجرائم على المستويين، التقصير الحكومي، واستياء الشارع في آن واحد .