Skip to main content

الرسالة الأمريكية إلى سوريا

إذا كان العالم يترقّب بقلق انتظار تحديد ساعة الصفر الأمريكية وبدء الهجوم على سوريا، فإن الكثير من الأسئلة تحتدم وتتشابك مصحوبة بتكهنات واحتمالات عديدة، فهل سيكون الهجوم رمزياً ومحدوداً، أي باستهداف مقار قيادة ومخازن أسلحة ولا سيّما الكيماوية ومراكز عسكرية حيوية بحيث تلحق ضرراً بالقدرات العسكرية السورية، أم أن المسألة ستكون أبعد من ذلك، وستؤدي إلى الإطاحة بالنظام أو تكون مقدمة لذلك؟ وكان الرئيس أوباما قد طلب مراراً من الرئيس السوري بشار الأسد التنحّي عن السلطة، فماذا سيحصل؟

حتى الآن فإن معظم المعطيات المتوفّرة تقول إن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا يأتي على هامش اتهامها باستخدام أسلحة كيماوية محرّمة دولياً أدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص في الغوطتين الشرقية والشمالية . وبأن الهجوم سيكون محدوداً ومحدّداً، وستكون الضربة العسكرية بمثابة رسالة قوية إلى الحكومة السورية لعدم عبور الخطوط الحمر التي سبق أن تحدث عنها الرئيس الأمريكي، وحذّر من مغبة تجاوزها، وهذه الرسالة تحمل معها عقوبة شديدة ردّاً على مجزرة الغوطة التي تتهم الإدارة الأمريكية الحكومة السورية بارتكابها، في حين أن نتائج تحقيقات البعثة الدولية لم تصدر حتى الآن .

ولعلّ الحوار والبحث في واشنطن جاريان بشأن إيجاد المبررات القانونية الدولية لتكييف الخطة الأمريكية، لتأتي متوافقة مع القانون الدولي، لا سيّما في موضوع استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً والذي يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، فضلاً عن أن مثل تلك الانتهاكات تعتبر تهديداً للأمن القومي الأمريكي الذي لا تنتهي حدوده بحدودها الجغرافية ، بل يمتد ليشمل جميع دول العالم حسب ما درجت على توصيفه العقيدة السياسية الأمريكية، بحيث يصبح أي خطر وشيك أو محتمل يتهدد مصالحها في أية منطقة من العالم يمثّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي الداخلي، وهذا يمتد ليشمل “إسرائيل” أيضاً، الأمر الذي يحتاج إلى ردّ استباقي، وكأن الخطر قائم على حدودها، وفي ذلك استقواء وتعسف وعودة للقانون الدولي التقليدي الذي كان يجيز الحق في الحرب .

الجوانب اللوجستية لبدء الهجوم تستكمل على نحو سريع وحاسم، فالقوات البحرية الأمريكية ولا سيما المدمّرات الأربع قبالة السواحل السورية بكامل جهوزيتها وتنتظر الأوامر، ويستعد الفرنسيون بحماسة شديدة للعقوبة العسكرية لسوريا جرّاء استخدامها الأسلحة الكيماوية كما برّرت باريس، ومثل هذه الاستعدادات جاءت على هامش محادثات الرئيس الأمريكي أوباما مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون .

أسئلة يطرحها موضوع الضربة العسكرية على سوريا: هل ستبقى “إسرائيل” خارج دائرة الهجوم والتنسيق، بعدما أعلنت بعض الدول الاقليمية استعدادها للتعاون على هذا الصعيد، وكانت تركيا أولى الدول التي رحّبت بخطوة من هذا النوع لردع النظام السوري ولمنعه من الانفراد بشعبه، ولكن ماذا لو استخدم النظام السوري صواريخ سكود التي ما تزال بحوزته، تلك التي لها قدرة على ضرب العمق “الإسرائيلي”؟ ثم ماذا لو دخلت إيران وحزب الله، المعركة لا سيما وأن الأخير يمتلك صورايخ على بعد “ضربة حجر” من العمق “الإسرائيلي”؟

قد لا تنتظر الولايات المتحدة الحصول على ترخيص دولي للقيام بعملياتها العسكرية  ضد سوريا، وقد جاء مبرر استخدام الأسلحة الكيماوية، ليضيف إليها رصيداً جديداً في اتخاذ قرار حاسم بتوجيه ضربة عسكرية، وقد حصل مثل هذا الأمر إبان السيناريو العراقي لإعلان الحرب من طرف واشنطن، فعند عدم تمكن واشنطن من استحصال قرار دولي لغزو العراق بعد اعتراضات روسية وتحفظات ألمانية وفرنسية وصينية، صدر القرار 1441 في اكتوبر/تشرين الأول  العام ،2002 وإن تضمن شروطاً حاسمة ضد النظام العراقي، لكنه لم يذهب إلى حد تفويض واشنطن لتجهيز خطتها العسكرية مشفوعة بموافقته لغزو العراق .

ولهذا اضطرّت واشنطن إلى جمع حشد كبير من حلفائها لغزو العراق، ضاربة عرض الحائط التحفظات الدولية، ومخالفة قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، ثم لجأت  إلى الأمم المتحدة طالبة مساعدتها في إصدار قرار، باعتبارها “قوة احتلال” تنطبق عليها اتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي الإنساني، وهو ما حصل حين صدر القرار 1483 في 22 مايو/أيار  ،2003 وبذلك تم تقنين الاحتلال وإضفاء شرعية عليه، وهو ما ينبغي أن يؤخذ بالحسبان في السيناريو السوري، إذ إن المسألة العراقية اتجهت وفقاً لهذا السيناريو، الذي يبدو اليوم أكثر  قرباً إلى الواقع السوري . وقد تذهب الولايات المتحدة وبتشجيع من تركيا وتحت عنوان حماية المدنيين إلى إعلان ملاذ آمن في شمال سوريا وجنوبها وهو ما تطالب به الجماعات المسلحة وبعض أطراف المعارضة لمنع وصول النظام إليها، وهو السيناريو الذي اتّبع عراقياً في منطقة الملاذ الآمن في شمال العراق (كردستان) وفي منطقة الحظر الجوي في جنوبه .

ومع استمرار الحصار الاقتصادي والضغط السياسي والحظر العسكري يمكن أن يصل الأمر إلى تآكل النظام السياسي وتمزّقه، لا سيّما على قاعدة التشظي الديني، مسلمون ومسيحيون، والتشظي القومي، عرب وأكراد، والتشظي الطائفي، علويون وسنّة ودروز وتفريعات أخرى لهذه العناوين جهوياً ومناطقياً، في إطار مشروع تقسيم كبير لا يخصّ سوريا وحدها، بل عموم دول المنطقة .

وإذا كان الحكم في العراق قد دخل الحرب بلا حلفاء داخليين، حيث ظلّ حتى اللحظة الأخيرة يرفض التنازل لشعبه، فإن الحكم السوري ليس بعيداً عن هذا التعنت، فحتى من هم يدافعون عن سوريا ضد التدخل الخارجي، تعرضوا إلى ما تعرض إليه الشعب السوري ودفعوا ثمناً باهظاً .

وقد انقسم العالم العربي إلى فريق يؤيد الحرب للقضاء على الدكتاتورية ولوقف المجازر والارهاب وهو لا يرى أية إمكانية للحل السلمي والسياسي بإزاحة النظام، وفريق يقف ضد الحرب حتى ولو بقي النظام واستمرّ الحال، بمبرر أن العدوان الخارجي سيكون أكثر خطراً من الطغيان الداخلي . وتلك محنة لكثير من المثقفين العرب في الأزمة العراقية حين وقعوا تحت ضغط الفريقين، وهو ما يتكرّر اليوم في المسألة السورية، حيث كانت قلّة قد اتخذت موقفاً ضد الطغيان وضد العدوان، الأمر الذي يتطلب حملة عربية ودولية لنزع الفتيل بالعودة إلى مؤتمر “جنيف -2” على أساس الانتقال السلمي للسلطة وإجراء انتخابات ديمقراطية بإشراف دولي، مقابل ضمان عالمي لوقف العمل العسكري والسعي لعدم توسيعه فيما لو حصل .

إن طبول الحرب تدقّ على الأبواب، بل فوق الرؤوس وتسير الخطط العسكرية على نحو حثيث، الأمر الذي ينذر باحتمالات امتدادها لعموم المنطقة، لا سيما تفريعاتها الخطيرة ومع ذلك فإن السيناريو العراقي سيظل ماثلاً، بما فيه مغامرة واشنطن خارج نطاق القانون الدولي ما عرضها إلى ردّ فعل كبير ضد سياساتها داخلياً وأثارت الرأي العام الأمريكي والأوروبي ضدها، فاضطرت إلى الانسحاب بعد تعرّضها إلى خسائر كبيرة مادية ومعنوية، ثم جاءت الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة لتدفع واشنطن إلى المزيد من التراجع على المستوى العالمي . فهل سيتكرر السيناريو العراقي وماذا بعده؟

صحيفة الخليج الاماراتية ، الاربعاء، 4/9/2013