Skip to main content

مؤتمر جلاسكو ثقوب الالتزام

مؤتمر جلاسكو ثقوب الالتزام

مع تحفظي المسبق على حجم بعض الأرقام التي تمثل خسائر بسبب المعضلات المناخية التي تضرب العالم الآن، غيرَ أن طبيعة الشكاوى التي طرحت، وسعة التأثيرات السلبية التي خيمت على الحياة تعطي الانطباع المؤلم عن سعة تلك الخسائر، وكيف أنها رسمت صورة محزنة لحجم الضرر، ليس فقط على صعيد المخلفات الميدانية للأعاصير والفيضانات والجفاف والزلازل وزوال غابات بالحرائق وقطع الأشجار، والصيد البري والبحري الجائر وانقراض أصناف عديدة من نباتات وحشرات وحيوانات كانت مساهمةً في التوازن الحيوي، بل وثقوب في طبقة الأوزون، ومعدلات متلاحقة للإسراف في وقود الفحم وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى، الميثان، أكسيد النيتروس……
نحن أمام مشاهد غير مسبوقة لم تستطع إرادة الإنسان التعاطي معها بجدارة، لذلك فإن قمة المناخ التي تستضيفها مدينة جلاسكو البريطانية إنما تمثل وقفة للتشخيص وتدارك مدى انهيار منظومات الطبيعة والإمعان المفزع لتوترات بيئية وبشرية غير مسبوقة تعصف بالعالم الآن، أما الأبشع المضاف إليها، فإصابة أكثر من ستين مليون إنسان بحالات اكتئاب جراء ذلك، وعن تراجع فرص العمل، وعن شحة غذائية وصلت في بعض المناطق الإفريقية إلى حد المجاعة وإزاء ذلك ورغم معطيات التفاؤل التي طبعت تصريحات بعض المشاركين في المؤتمر ومنهم جون كيري المفوض الأميركي بشأن المناخ.
إن المشكلة الآن بأكثر من رأسٍ واحدٍ، هناك مطبات بشأن الصندوق الأخضر بمرجعية اتفاقية باريس للمناخ منذ استحداثه عام 2010، فهو لا يملك حتى الآن الأموال التي يمكن أن تغطي حاجات بلدان تنحدر نحو الإفلاس البيئي، ولا تملك المال اللازم لإيقافه، في حين هناك قناعات لا يرقى إليها الشك بأن الوضع يتطلب إجراءات، اليوم وليس غدًا.
لقد تناولت ميشيل شاليت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الموضوع من زاوية المتطلبات المالية العاجلة داعية إلى تقديم مساعدات مالية على هيئة منح أو قروض ميسرة إلى الدول التي تفتقر إلى مشاريع للتنمية المستدامة القادرة على وقف التدهور البيئي، ويرتصف مع هذا التحدي تحد آخر يتعلق بالسلوك البشري على الصعيد الشخصي المفرد، أو في إطار مجموعات سكانية أو شركات تنظر إلى الضغوط المناخية بالمزيد من عدم المبالاة والاستخفاف والتهاون وتلك معضلة باتت مزمنة تستدعي تغيرًا جوهريًّا في القناعات والالتزامات، ولذلك تتجه الأنظار إلى فرض ضريبة تلويث على الشركات العملاقة العابرة للقارات، وكذلك على الأسر والأفراد الذين يخلفون نفايات منزلية ومكتبية تتجاوز المعدلات الطبيعية.
الحال أيضًا، هناك الكثير من المقترحات لإعادة ضبط مسار الأولويات البيئية لدى الناس، وهذا خط شروع أساسي لمواجهة الإفلاس البيئي، إلا أن المشكلة تكمن بضعف القدرة على المواظبة الإجرائية.
لا يكفي أن تعلن أسفك على ما يجري من تدهور بيئي، بل عليك أن تكون طرفًا تضامنيًّا عالميًّا مستعدًّا للانخراط في هذا النوع من المواجهة المصيرية.
لقد كشف التباين في الأخلاقيات الدولية إزاء جائحة كورونا كم هو حجم الابتعاد عن مفهوم المصير المشترك إزاء الوباء، فقد تبين أن سبعين بالمئة من سكان الدول الثرية صناعيًّا قد أخذوا اللقاحات حمايةً من الجائحة، بينما لا تتعدى النسبة واحدًا ونصفًا بالمئة في أغلب الدول النامية، السؤال: كيف يمكن أن ينتظم العالم في وحدة موقف لتشغيل حماية تضامنية لمواجهة الكوارث البيئية إذا كان الوضع بهذا التفاوت؟
الفساد في النيات واحد من محركات الخلل في المشهد الدولي، وإذا كانت الجائحة قد فضحت إلى حدٍّ ما بعض مفردات هذا الخلل، فإن المسؤولين عن أشد الخلل في الخرق الفاضح لحقوق الطبيعة معروفون وعليهم تحمل المسؤولية الأكبر في التصدي للمعضلات البيئية.
ليس الوقت مناسبًا للتعاطي بالتاريخ وإعداد لائحة اتهام دامغة، ولكن على الأقل أن تتم قراءة تطبيقية منصفة لاتفاقية باريس للمناخ، بل الأسبق أن تتم قراءة أمينة لوثيقة مصيرنا المشترك الصادرة عام 1987، وعلى الأقل أيضًا، فحص الكفاءة الدولية لقياس مدى فرص الأخذ بقرار قمة العشرين التي انعقدت في روما وعبرت فيه عن الالتزام بتخفيض الاحترار المناخي إلى 5/1، عندها فقط يمكن تفادي الانهيار البيئي.