Skip to main content

ماذا بعد الخمود النسبي؟

 

صناعة الموت أصبحت اليوم تنتج أنماطا مختلفة من الوحوش البشرية التي تفترس نفسها قبل أن تقدم على فريستها ... أنماط تشكلت من عجينة الإرهاب والإجرام والمصلحة، وهذا وارد في كل بلد تلتهمه الحرب على الدوام  وتسحبه السياسة إلى ملعبها.

احترنا في وصف الواقع واحترنا في كل شيء يميل للتعقيد فيه ومجمل حديثنا اصبح عبارة عن تساؤلات واستفسارات لواقع بات كل شيء فيه متوقع وحاصل بسبب الخلافات الظلامية.

ففي ظل بلد كالعراق الذي ذاق شعبه شتى أنواع القهر والظلم على مدى سنين متواصلة بسبب انعدام الحوار على طاولته وغياب التلاحم، ماذا سيصبح أو ما هو المتوقع من هكذا تركيبة تتشكل في ظل انتهاكات دائمة؟! نعم ... لم نعد نعرف السبيل للفرج ولم نعد نعرف كيف نصف هذا الحال الذي يُغري الموت في أن يبقى فيه؟! حال ينقل الشعب من مرحلة إلى أخرى أقسى ثم إلى مآسي وعصابات تتشكل وتمارس إجرامها بلا ضمير! وبالتأكيد هناك من يريد أن يدوم الحال ويريد أن تبقى الأبواب مفتوحة من أجل أن تهب العواصف كما تشاء وكيفما تريد وحسب ما هو مخطط ومتطلع لها!    

داعش هذا الاسم الذي لا صلة له بأسماء الإنسان، أنه الأنتاج الذي تشكل من صُناع الأرهاب، منذ ظهوره المفاجئ في العراق كان كالآلة يحصد ويحصد ويرمي خلف ظهره، إلى أن وصل إلى نقطة لا يمكن له أن يتجاوزها أو يقترب منها بالأساس ... وهنا توقف وخمدت نيرانه قليلا ولكن ما زال كالبركان الذي في أية لحظة ممكن أن يتفجر بمساعدة صُناعه! فئات لا مأوى لها هائمة في البراري تقتات من تعذيب النفوس ... فئات انتشلت من مستنقعات المياه الآسنة ومن أرض الفساد ... فئات منهمكة في التفكير بالرذيلة وكيف تقتل الفضيلة ... فئات لا وطن لها وتنثر الفساد في الأوطان ... فئات مُسيرة تتبع ما يُرمى لها ... فئات لا صلة لها بالإنسان.    

هل يمكن لمن يُراد أن يقلع من جذوره أن يتفاءل بعد كل ما يتجرعه من ويلات مستمرة؟ متى تنتهي صلاحية صناعة داعش، وماذا بعد المخططات الدموية المتواصلة؟ ماذا يوجد بعد والشعب المسكين لم يُمارس عليه؟! لربما هنالك حسابات أخرى تأتي بعد الفشل الذي يلحق بالأطراف المتعاونة في سبيل المصلحة المرجوة؟! كل شيء واردّ ما زال هناك فساد وغسل للأدمغة ... كل شيء متوقع ما زال الشر هو المحرك والحاكم ... وتبقى الأوضاع المتذبذبة تتأرجح وتأتي بالاسوء تحت سمع وبصر العالم أجمع!  

العراقي القليل الحيلة والذي ما زال الاضطهاد يلحقه وهو في بلده، ماذا سيبقى منه؟ ما الذي يُرجى من إنسان يعيش الفتن الطائفية، مداهمات مستمرة، اختطاف، قتل، تشريد، مساومة، اعتداء، هتك الأعراض، تهميش، صراعات عنصرية، جوع، عطش، حاجة، مرض، سرقة، غياب، تهجير قسري، تصفية، خوف وفزع دائم، فوضى وتدمير، طعم الموت، صوت ودخان المتفجرات، شعور الحرمان، ضعف شعور الانتماء، فقدان المواطنة ..... الخ! أي حياة هي هذه وماذا بقيّ لم يشاهده ويعاصره طوال سنين حياته؟!

شعوب تنهض على دمار شعوب أخرى وموت يصنع من أجل تقليص الحياة! العراقي ما زال في تلك الدائرة يراوح فيها مُجبر! أصبحت أرض الوطن غرفة اختبارات كتلك التي تستعمل من أجل إجراء التجارب الكيمياوية ... هكذا أصبح البلد حقل تجارب والكل يصارع من أجل أن يوصله إلى أبواب الجحيم التي تفتح باعتقادات مريضة وتوجهات خبيثة!

وهذا الشعب نقول أنه شعب عجيب ومسكين تحمل فوق الطاقة وفوق الاحتمال .... ولكن إلى متى يبقى حاله هكذا ينقله ما بين وبين؟ الكل يعرف ما في الخفاء والكل يعمل فيه من أجل أن يظهره بالصورة المراد لها. لا يوجد من يهتم بالإنسان من أجل الإنسان ذاته بل الكل يركض ويتسابق من أجل الحصول على المقسوم وما تهبه هذه الأرض. نتمنى أن تغلق هذه الفجوة التي تبتلع كل ما تصله ونتمنى أن يكون هنالك قرار موحد بشأن كل الأحداث المتسلسلة التي تشل حركة الحياة وتوقفها وترجعها إلى الخلف، ونتمنى كذلك أن يتم ترميم البلد من خلال بناء دولة بعيدة عن الدين والتطرف.