منصةً للحوار وتبادل الخبرات والتأمل في الدور الأساسي للمرأة في تعزيز الوحدة والتماسك الاجتماعي والسلام المستدام
محاضرة السيدة باسكال وردا في مؤتمر أقامه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في بغداد في ١٥-١٦ تشرين الأول ٢٠٢٥..
يطيب لي ان اشكر السيدات والسادة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP ) في العراق، على هذه الورشة القيمة عن "دور النساء في تعزيز الوحدة والتماسك الاجتماعي والسلام المستدام".
بالفعل إن طرح هذا الموضوع "للتأمل" وصناعة رؤية عميقة يبدو حاجة ملحة، لأنه يتزامن مع عمق خطورة مسألة الكراهية ضد النساء كونها حالة تصاعدت في الواقع الحالي أكثر من أي زمن مضي. هذه الحالة القديمة الجديدة، تواجهها أغلب نساء العراق في جو من الذعر والحكم عليهن بالانتقاص والظلم المبرر بسبب عدم قبول انجازاتهن من قبل الذكوريين الذين يمارسون محاربة التنافس الشريف بين النساء والرجال. وأكبر دليل على ذلك هو منذ بدء التغيير السياسي في العراق سنة ٢٠٠٣، اصدرت السلطات العراقية المتمثلة في مجلس الحكم المؤقت آنذاك قرار ١٣٧ في محاولة لإلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩. مع ذلك وبفضل وحدة التحرك النسوي في العراق تم الغاء القرار ١٣٧ نتيجة الحراك النسوي القوي والتظاهرات على المستوى الوطني مطالبات سلطة الائتلاف الدولي في العراق بإلغاء القرار وليس تأجيله كما زعمت بعض الجهات العراقية.
هذا الانجاز النسوي كأولى إنجازات الديمقراطية الفتية شهدت له اول تظاهرات نتيجتها حققن النساء ولأول مرة ديمقراطياً اثنان من مطالبهن الكامنان في الغاء قرار ١٣٧ من جهة وفرض تثبيت في الدستور المؤقت لنسبة ما لا تقل عن ٢٥٪ (الكوتا ) النسوي لمشاركة المرأة في المجلس التشريعي وباقي مؤسسات الدولة. هذا بالرغم من الالتفاف الذكوري على حقيقة المطالبات بخصوص نسبة المشاركة النسوية المطلوبة والتي كانت ظاهرة على لافتات المتظاهرين من ٤٠-٥٠ بالمئة. ولكن بما ان الذكوريين العراقيين اعتبروا هذا الموضوع أي مطالبات النساء وإلغاء القرار المذكور بمثابة "لوي الذراع “تعرض له الرجال- وهذا عمق ثقافة عراقية ذكورية سلبية عن المرأة - لم يقبلوا فيها الا بنسبة ما لا تقل عن الربع مقللين من إمكانيات وقدرات النساء كما هو الحال في أفكارهم المتأثرة بنظرة الانتقاص الدفينة في داخل مخيلهم.
وبعد أكثر من عشرون عاما من "العهد الديمقراطي" في العراق، ومن قبل نفس المجموعات الدينية، تم الالتفاف على النجاح الذي حققته النساء في الغاء القرار ١٣٧ ليعيدوا فتح باباً اخراً باسم "التعديل" الذي خضع له قانون الاحوال الشخصية. بينما كان الاصح ان يطلق على هذا الفعل الظالم اسم "التخريب وليس التعديل". اغلب نساء العراق تعتبر التعديل الأخير انتهاكا صارخا ومنظما لحقوقهن الأساسية التي كان يحميها القانون المذكور بما فيه الحق في تواصل حقهن في حضانة اطفالهن وممارسة امومتهن لأولادهن بشكل طبيعي، والاعتراض على اجبار تزويج طفلاتهن انطلاقا من سن التاسع، وغيرها من مكتسبات حماها قانون الأحوال الشخصية طيلة ٦٦ سنة مضت. أما الان فيتراجع رجال العراق عن هذه الإنجازات بهدف دحر النساء في المنازل..
ومن البديهي ان كل هذا الظلم الممنهج لأغراض أيا كان تبريرها، كان من المتوقع انها سوف تسهم بقوة في تراجع مستوى النماء الحقيقي اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا في مجتمعنا المشرقي. كما نلاحظ اليوم أكثر فأكثر تُزَجُ المجتمعات بأكملها في ظلام التخلف وفي اوضاع غير طبيعية. وهذا يحصل حاليا بشكل جلي، والضحية هن النساء اي مركز وركيزة صناعة وحدة وانسجام الاسرة والمجتمع وبالمحصلة تعقيد تحقيق عملية بناء السلام المستدام.
نعم وجليا، الوحدة تبدأ في أول خلية المجتمع ألا وهي الاسرة. تناضل الحركة النسوية وفي مقدمتهم شبكة النساء العراقيات، لجعل المرأة صاحبة المكانة التي تستحقها في الاسرة والمجتمع. وللمساهمة في حل العقد التي تثقل كاهل الاسر العراقية قدمت الحركة النسوية مقترح قانون "مناهضة العنف الاسري" منذ ٢٠١٠ حيث نام عليه الزمن في اروقة البرلمانات المتتالية والتي تعارض اي مصلحة تخص النساء، خشية من ان تصبح النساء اقوى وسيلة حية لفضح كل اشكال العنف والقمع الذكوري الدفين كالظاهر والمقنن باسم التقاليد والدين. فيوصف المشرعون في الكتل الطائفية مشروع قانون مناهضة العنف الاسري المذكور وبشكل غريب، تارة بأداة قانونية لا تصب في مصلحة الاسرة العراقية وتراثها الشرقي ومجتمعها الاسلامي دون الالتفاف الى الملايين المسلمات اللاتي ترفضن هذا الاعتقاد الخاطئ وتعارضن التعديل، وتارة أخرى ان نص القانون ليس كاملا ولا يحتوي على عقوبات واضحة الخ من الحجج غير الضرورية، فضلا عن التهميش الفظيع لوجود ولرأي الطوائف والاديان الاخرى في المجتمع العراق. وكأنه كل ما يقترب العراقي من انجاز يوحد المجتمع ويعتبر المساواة بين الجنسين في الحقوق والكرامة الانسانية حسب المادة ١٤ من الدستور الجديد، هناك من يقف وراء طرح موانع للحيلولة دون تحقيق التنمية والتطوير المطلوبين تجنبا لإحلال السلام المستدام في العراق!
كيف لا ينظر الذكوريون على المرأة بانها بالفعل هي مركز الاسرة واساس محورها وسندها ومعلمتها منذ اول لحظة وجود أفرادها على هذه الارض؟ لا وحدة ولا تماسك اجتماعي ممكن بهدف بناء السلام المستدام، بدون شراكة النساء متساويات لنظرائهن النصف الاخر، أي الرجال. وذلك هو المساواة في الكرامة والحقوق الخاصة بوجود وحياة البشر. المرأة هي التي تمتلك وتعلم الأمان العاطفي والجسدي وهي التي تأخذ الحيز الاكبر في نضال حياة الفرد منذ أولى لحظات وجوده ووجود المجتمع بها ومعها تسير الاسرة نحو التطوير في الحياة اليومية وهي التي تُبلور للفرد هويته. أما غيرة وانانية المقابل برفضه التنافس الشريف كحالة صحية، فلم ولن تمحيا محورية دور النساء، مهما كثرت الضغوطات وطال الظلم.
ربما بالرجوع الى علم الانسان ( anthropology) يساعد الامر في توضيح هذا الجانب. ترى أ ليس في دور المرأة المتفاني في العطاء والتضحيات المستمرة، يكمن السر وذلك منذ ان يقع الطفل في احشاءها حيث يبني منها صيرورته مستمدا كل احتياجات كماله البيولوجي والنفسي من منابع جسدها فقط؟ وتواصل النساء في العطاء المجاني الى آخر يوم من حياتهن. فهن اللاتي مجاناً لجميع اعضاء اسرهن تواكبن في الصبر على الالام، وتمارسن دور البناء والتوحيد والتربية والعطاء اللامحدود في المحبة والتحمل بالرغم من كل ما غالبا يوجه لهن من قلة الاحترام واحكام غير عادلة. مع ذلك دورهن غير الممكن لا تبديله، ولا تعويضه ماديا، ويجعلهن أكثر معرفة بقواعد بناء السلام العادل. أما احترام هذ الدور من قبل الجميع، فبالتأكيد لا يؤدي الاَّ الى تعزيز صناعة مجتمع مسالم ومتمتع بشعور انساني مسالم بين البشر.
اين اذاً شعر ويشعر الانسان أفضل من عالم الام والزوجة والابنة والاخت في دورهن العاطي لكامل قدراتهن وسعادتهن لأسرهن؟ وهي بكل ما سبق ذكره تمثل ركيزة الاسرة والمجتمع التي منها جميعنا استطعنا ان نستمد بذور كل الفضائل سواءً عبر تربية الأجيال وتشكيل هويتهم، بغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية في اذهانهم، أومن خلال توفير الأمان العاطفي والجسدي، و تنمية المهارات الاجتماعية والمعرفية لدى الأطفال وغيرهم ؟هذه العطايا والمزايا التي تطرز النساء حياتنا بها، تتواجد وتنبع من أعماق وجودهن الفريد، والتي يجب على كل انسان التزين بها، كونها الطريق الأمثل لأنسنه الطبيعة البشرية وبذلك تجعل منها تلك العطايا والمزايا الركيزة الأساسية في استقرار الأسرة وتقدم المجتمع.
نعم لان كل ما ذكرناه أساسا ينبع من نفسية وعقل وقلب الأمهات، فكفى جعل العبارات الحلوة مجرد ابيات شعر عابرة أكل وشرب عليها الزمن، ودقائق من بعد تعبير العواطف المزيفة عن الموضوع هذا. بل علينا جميعا ان نلفت الى هذا الوجود العظيم الذي دونها لا يمكن ان نتواصل كبشر فلنقول بحق امام الأمهات والنساء بشكل عام: حقا: "الام مدرسة ان أعدتها فأعدت اجيالا طيب الأخلاق “. انها بالفعل أكثر من مدرسة واحدة وسرها لا يُسبَر. لذا تهميشها وتعنيفها والتقليل من قيمتها العظيمة هو يعتبر الإطاحة ليس بالإنسانية فحسب، بل بمخطط الخالق الذي كشف عن سر فكره الواهب مجانا للبشر وذلك بأعظم وبأجمل ما خلقه الله المرأة! وما الكمال في الذكور دون الاناث؟! من هنا دور كبير للمنصات الدينية المطلوب منها تصحيح النظرة الدونية على المرأة انطلاقا من احترام مبادرة خالق الرجل والمرأة الذي رأى قبل أي انسان بان هذه الهيـئة للحياة هي الأفضل ايالرجال والنساء معا في احترام متبادل..
ان دور النساء في بناء السلام والاستقرار ليس مهما ومطلوبا فحسب بل هو دورٌ محوريٌ جدا، كونهن تمتلكن عقلية واحساس يرفض التهميش والتمييز العنصري تجاه أيا كان مِمَنْ تضطلع بمسؤوليتهم. وهذا ينتقل من خلالها الى المجتمع ليس فقط بتربيتها وشعور امومتها فحسب، بل وأيضا من خلال وجودها ومساهماتها الفعلية كعنصر فعال واعي لأبسط التفاصيل في الحياة اليومية حيث تتميز بالشعور القوي بالمسؤولية الى درجة الافراط أحيانا، وحيث انها نتيجة تُنْعت بممارِسة المثالية من قبل الرجال الذين قلَّ ما يعترفون بتلك القدرات الفريدة لديها والتي يمكن ان تتحول الى القدرة على اصلاح الانحرافات. وهنا اقصد الانحرافات التي زرعت وقننت لإنتاج مجتمع هش وغير مسالم، تحت غطاء المبادئ والأعراف والتقاليد.
لا يخفى علينا جميعا، وبشكل غريب يتم استغلال الانسان في بلداننا بعبارة "نحن شرقيون" وكأن الشرقيين مكتوب لهم التراجع؟! ومن هنا بالذات، نبعت غيرة المناضلات عبر التاريخ الانساني للوقوف في وجه الظلم والتمييز العنصري وتقنين الانتقاص من كرامة وحقوق النساء كبشر، لهن كامل الحقوق والكرامة المطلوب صيانتهما وعدم التصرف بهما أيا كانت الاعذار. لا يخفى بان هذا الشعور بالمسؤولية الذي أوصل النساء الى شوارع التظاهرات والمطالبات بأشكالها، وخاصة منذ القرن الماضي، لم تكن مبادرة رجالية أو مدفوعة منهم كما يمكن ان يزعم البعض، بل قبل أي شيء آخر هو الوعي الحاد للنساء أنفسهن والخاصية الموصلة لديهن بالرغم من المحاربات والصد الذكوري، وما أكثر من حارب بادرة الأفكار المطالبة بالمساواة التحرر ذاتها من قبل جهات ذكورية والرجال بمختلف تبعياتهم، لا بل حتى من قبل بعض النساء المسترجلات وبشكل مستمر. ففي الولايات المتحدة كانت امثال سوزان بروفيل وغيرها من نظرت الى الظلم الواقع على المجتمع باسره وخاصة النساء المجموعات السوداء ضحايا التطرف العنصري. وسجل التاريخ فضل النساء على الغاء تلك التعليمات والقوانين غير الإنسانية التي كانت تعزز التمييز العنصري الذي فهمه و نسجه الرجال كأمر مهم لتحقيق الوحدة والسلام بين افراد المجتمع الواحد دون الوقوف لدى مسألة اللون والشكل الخارجي الذي لا يمثل الا شيئا عرضياً “accidental “ أي كما فُهم ونعت فلسفيًا بالصدفة" وهي صفة أو خاصية لحل مشكلة تضاف إلى شيء ما مثل اللون الأسود لمن هم من اصول افريقية او الوجه المفلطح لمن هم من الاصول الآسيوية او العيون الزرقاء من اصول اوربية وغيرها من المزايا التي ليست ضرورية ومهمة بأهمية جوهر الانسان بل هي عرضية بينما جوهر الانسان هو ذاته عالميا وله قيمته الواحدة عبر العالم وبذلك الانسان هو عالميا. أما هذه المظاهر العرضية، يمكن إزالتها دون تغيير طبيعة الشيء او الشخص بشكل أساسي. بهذا المعنى الإصرار على البقاء في النظرة السطحية أي على الجانب العرضي للآخر، يصبح أمرٌ يمنع توغل النظرة الى جوهر المعنيين بهدف التيقن من ان الانسان كامل الحقوق والكرامة ولا يمكن المس بهما كونها قيمة ثابتة في الانسان. ولهذا تعتبر تلك القيمة من الثوابت المتأصلة في طبيعة الكائن البشري غير القابلة للاستغلال والتصرف.
مع ذلك جميع التقارير العالمية الدولية مثل العفو الدولية وتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة اكدت ان في ٢٠٢٣ حسب القديرات العالمية لجرائم قتل الاناث كانت على يد الشريك الحميم/فرد في الاسرة. ونقل التقرير الاممي انه على مستوى العالم قتلت ٨٥ الف امرأة عمداً و٦٠ في المائة من الجرائم القتل هذه- أي ٥١ الفا على يد شركاء حميميين او افراد آخرين من الاسرة. ويشير التقرير السنوي لمنظمة حمورابي لحقوق الانسان في موضوع "أوضاع المرأة في العراق/ العنف الاسري" تشهد بتواصل العنف ضد النساء بشكل متصاعد وخاصة في دول الشرق والعراق في صدارة الدول العربية حيث خلال السنوات الأخيرة واذكر منها في ٢٠٢٤ بلغ عدد قضايا العنف الاسري في العراق ١٤٠٠٠ حالة و٧٣٪ من نسبة الضحايا كان من النساء. وعلى المستوى العالمي يبدو ان في كل دقيقة، ١٠ نساء تقتل! وهي ارقام مخيفة نقلتها منظمة حمورابي لحقوق الانسان في تقريرها السنوي الأخير عن مصادر عالمية وعن قنوات عربية. . ففي إقليم كوردستان وحده ٤٨ امرأة قتلت خلال ٢٠٢٤، ويعتبر هذا الرقم غير رسمي، أما الحقيقة فتزيد على ذلك بكثير وكان التوزيع، كما يلي: 18 حالة في محافظة أربيل، 13 حالة في محافظة السليمانية، 6 حالات في محافظة دهوك، 3 حالات في محافظة كركوك، 3 حالات في إدارة رابرين، حالتين في إدارة كرميان، حالة واحدة في ناحية كوية، وحالة واحدة في إدارة زاخو ومثلها في خورماتو (عن تقارير منظمة العفو الدولية وجهات أخرى). مع ذلك في كوردستان العراق تم تعديل المواد التي تسهل قتل النساء في قانون العقوبات العراقي.
لاحظنا ما أسهل قتل النساء والفتيات وتطليقهن وتعنيفهن والتنمر عليهن لأتفه الأمور التي بالنهاية يتم ترتيب إفلات المجرمين من العقاب كون قتل النساء منظم بقانون العقوبات حيث تغطى الجريمة تارة بغسل العار و تارة أخرى بتلبيسها جريمة الانتحار وغيرها من الأكاذيب. بينما هناك اب قتل طفلته زينب بعمر ١١ سنة وهي نائمة في أحضان والدتها لإنه شعر بعار كونه اب لأنثى! والأخر قتل زوجته لعدم قبولها تغيير تمليك قطعة الأرض الخاصة بها الى اسمه، ناهيك عن القتل النفسي أصبح شيئاً يومياً كون الطفلة والطفل تنتزع من صدر أمهاتهم بعمر السابعة. وعندما يطالب العراقيون بتعديل قانون ما، فغالبا ما يكون التعديل نحو الأسوأ وليس الأفضل، فضلا عن الوقت الذي يأخذ من أَعمار الناس وكأنه القانون يجب ان يعادي حياة الناس وليس ليدعمهم في اصلاح تصرفاتهم نحو الافضل بحل الازمات قانوناً.
لا يخفى ان روح تطبيع العنف في داخل مخيلة الانسان العراقي مدعوم بسهولة وخاصة تبسيط اللجوء الى اصدار وتنفيذ الحكم بالإعدام الذي لم يجدي نفعا الا نحو الاسوأ، لا بل يُعتبر المصدر الرئيسي الدائم والاقوى لباقي ممارسات العنف بأشكالها حيث يجعل فكرة القضاء على حياة البشر بتنفيذ القتل والحكم بالإعدام شيئا اعتياديا!
والحال كمدافعين عن حقوق الانسان بين مطالباتنا الاساسية المكررة هو مطلب الغاء الحكم بالإعدام من الدستور العراقي. لأنه هناك بدائل حتى في حال الاصرار على ممارسته، يمكن ان يصبح كحكم بالسجن المؤبد وبالطرق التكنولوجية الجديدة.
نعم ونحن في زمن الذكاء الاصطناعي ومواردنا ليست المشكلة في تطبيق الجديد، يمكن أن نحذو حذو أكثر الدول تقدما وليس التراجع الى الوراء بالتقاتل لنتراجع الى الحذو بأمثلة الدول التي لم ولن تضاهي بلد الحضارات والاكتشافات العلمية منذ الاف السنين. فتبديل العقوبات وخاصة بعقوبات السجن المؤبد وغيرها من العقوبات التي ايضا تم اصلاحها في الدول المتقدمة لتكون ملائمة مع كرامة الشخص البشري، وذلك باللجوء الى الطرق التكنولوجية الحديثة التي يحاسب بها المعاقب بأكثر دقة تكنولوجية متطلبة جدا مع الحفاظ على كرامة الشخص غير الممكن التصرف بها.
وهذا النظام الجديد، المعمول به في فرنسا مثلا وليس حصرا، له أكثر من استخدام تكنولوجي مثل "السوار الالكتروني" الذي يمكن تطبيقه بأشكال مختلفة مثل في حالة الحبس المنزلي تحت المراقبة الالكترونية (DDSE) الذي فيه يُستخدم السوار الإلكتروني لقضاء عقوبة السجن في المنزل، ويُنبه إدارة السجن في حالة عدم الالتزام بالجداول التي يحددها القاضي أو الإقامة الجبرية تحت المراقبة الالكترونية (ARSE) على الرغم من أن السوار ليس مخصصًا حصريًا للمحكومين بالسجن المؤبد، إلا أنه يمكن استخدامه لقضاء عقوبة السجن في المنزل، مع مراعاة القيود الزمنية. وهذا يأَنسن تعامل الانسان السلطة مع الكرامة الانسانية للمخالف، بطريق أكثر رحمة وتمدن.
عبارة عن ماذا هي هذه الوسائل التكنولوجية لعصرنا؟
-الحبس المنزلي تحت المراقبة الإلكترونية (DDSE): يُستخدم السوار الإلكتروني لقضاء عقوبة السجن في المنزل، ويُنبه إدارة السجن في حالة عدم الالتزام بالجداول التي يحددها القاضي.
-الإقامة الجبرية تحت المراقبة الإلكترونية (ARSE): إجراء يُفرض على الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة أثناء انتظارهم للمحاكمة.
-كيفية عمله: يُلبس السوار عادةً حول الكاحل، ويتصل بجهاز مُثبت في المنزل. يراقب السوار الحركات ويُصدر تنبيهًا في حالة عدم الالتزام. عقوبات عدم الامتثال: قد يؤدي عدم الامتثال للقواعد إلى إصدار إنذار، وقد تُخطر الشرطة أو الدرك بذلك. وللقاضي أن يُقرر عقوبة، كالسجن. بهذا النظام يمكن المساهمة في تغير عقلية التمتع او الاستكبار بنجاح تنفيذ القتل المعمد للنساء والأطفال والرجال وغالبا ما يحصل ذلك نتيجة التعصب المفرط أو لأسباب لا تستوجب ذلك. لذا مطلوب تشريع قوانين جديدة وخاصة قوانين تخص حياة النساء والأطفال والفئات المستضعفة كالأقليات الدينية مثلا، تأخذ بعين الاعتبار التكنولوجيا الحديثة لنتواصل مع العالم وليس خلف العالم. الأمهات والاباء يمكنهم البقاء مع اولادهما حتى في حال تنفيذ العقوبات المذكورة. هذا أحد أوجه أنسنة الإجراءات المعاقبة وحفظ جزء ليس بقليل من حق التركة الملتصقة بالأسر على المستويين المادي والنفسي. أليس هذا أفضل من حصرات الزيارات الشكلية والتي غالبا ما يصيبها جرائم أخرى ضد الزائر امرأة او طفل او العنصر المعاقب نفسه؟
لكن في العراق، باستثناء قانون تعويض الناجيات الايزيديات رقم ٨ لسنة ٢٠٢١، الذي في عجالة التحرير من الغزو داعشي وكخطوة لعدالة انتقالية نتيجة الابادة الجماعية ضد الايزيديين والمسيحيين، تم اصدار القانون مع احتواءه على الكثير من الثغرات والنواقص. معروف لدى الجميع ان هناك ازمة قانونية بخصوص حقوق النساء، أي لا يوجد أي قانون ينصف النساء حقا. لا يوجد أي قانون وآلية تخص بالنساء في العراق، يمكنهن من اللجوء الى العدالة بأمان. فقط من خلال قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩الذي يبدو ذكوريا جدا وفي عدد من مواده يبدو تمييزيا وعنصريا مثل المادة 41 التي تسمح للزوج بتأديب زوجته، والمادة 409 التي تخفف العقوبة عن الرجل الذي يقتل زوجته أو "أحد محارمه" في حالة تلبسها بالزنا دون أن تُخفف العقوبة بالمثل على الزوجة إذا قتلت زوجها. هذه المواد وغيرها عديدات، تُعتبر تمييزية وتُخالف الدستور الجديد، بتطبيقها التمييز العنصري بسبب الاختلاف الجنسي. لان "المساواة امام القانون.." التي ينص عليها الدستور في باب الحقوق والحريات مادة ١٤، لم يحظى بعد باي قانون يفسر المادة للتطبيق بخصوص المساواة بين الجنسين.
-لذا مطلوب تشريع قوانين تخدم قضايا المرأة العراقية كحق من حقوقها بما فيه قانون مناهضة العنف الاسري المقترح. -كما أيضا مطلوب إيجاد مؤسسة رسمية تديرها النساء وتضطلع بمسؤولية تنفيذ الاستراتيجيات والخطط الوطنية والتزامات العراق الدولية وتمثل العراقيات امام المنصات الدولية. هذا مع جل احترامنا لما موجود حاليا من اختبارات إدارية داخل مختلف المؤسسات الرسمية ولم يصل الامر الى مستوى مؤسسة الدولة او حتى مستقلة بميزانيات خاصة بها سنوية تتناسب وحجم احتياجات النساء في مختلف الأوضاع. مع ان النساء ان لم يكونوا أكثر عددا او مقاربا لذلك فهن نصف العدد السكاني حسب الاحصاء الرسمي لوزارة التخطيط! وهنا علينا طرح السؤال بكل جرأة: من المستفيد من هذا التهميش والتقليل من قيمة المرأة العراقية؟
بالنتيجة تبرير وتقنين قتل النساء بشكل منظم بقانون العقوبات، ربما حتى القوانين الجديدة سوف لن تجدي نفعا إذا لن يتم تعديل المواد المشار اليها من القوانين التميزية من جانب، وتغيير العقلية الذكورية تجاه النساء والتي تطغي في بعض الأحيان حتى على المتعلمين ومستويات جامعية واستاذية، يقبلون ويبررون فعل جريمة القتل هذا، وما اسهل جرائم التلفيق والتهم وتلبيسها بالشرف وغسل العار والانتحار وغيرها من المبررات للإفلات من العقوبات.
لكل ما تم ذكره، يبدو موضوع التدرب على التفكير والتأمل بماهية الانسان هي التي تدعو الضمائر والاذهان الى إدراك قيمة الشخص البشري والمضي قدماً الى احترامها وتعزيز اشعاعها نحو تعزيز السلم، بدلا من الحروب والنزاعات غير العقلانية التي تبدأ من ذهن وفكر الانسان كما تنص عليها ديباجة ميثاق اليونيسكو وهي مثال مشهور، حيث تنص على انه " بما ان الحروب تبدأ في عقول البشر، فان دفاعات السلام يجب ان تُبنى في عقول البشر"
لذا نستنج من ذلك القول السليم جدا: ان أي حرب صغيرة أم كبيرة، تبدأ في أفكار الأشخاص وتنتقل الى المجموعات. أيضا نقطة الاشتعال الحقيقية لكل الحروب تباشر في الاسر وليست في الهواء الطلق لان صاحب الفكرة يكون أيضا عضوا في اسرةٍ ما، وما تلقاه في التربية والبيئة الاسرية أثر في تبلور شخصيته وادراكه لأهمية الاخرين وما حولهم.. من هنا الأهمية بمكان، ان يُعَلم الاحترام وممارسة العدالة تجاه أهم نقطة في الاسرة والتي هي نقطة المحور الاسري المتمثلة في وجود ومكانة المرأة التي اغلب حياتها، وان كانت بعض منهن ربما تشغلن منصبا او عملا خارج الدار، (وهي للأسف الشديد نسبة قليلة جدا لا تتجاوز ٧٪ من ١٣ مليون امرأة عراقية في سن العمل، ما يجعل العراق آخر رقم في تسلسل دول العالم في تشغيل النساء رقم (١٩٥) بعدد دول العالم! بينما وبحسب المتوسط العالمي، بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في عام 2024 50.6%. وأظهر التقرير أن بوروندي في افريقيا، تتصدر قائمة الدول بأعلى نسبة من النساء في القوى العاملة، حيث تبلغ نسبة الإناث 78.25% من القوى العاملة الرسمية وغير الرسمية. (تقرير سي وورلد ٢٠٢٤).
ومع كل ذلك تبقى المرأة هي الملتصقة ذهنيا وعمليا بشؤون وهموم اسرتها كأولوية مقدسة لها. في لقاءاتي الشبه يومية مع الموظفات في مختلف زوايا الدولة، تكرر النساء سرد واقعهن المتشابه جدا ألا وهو قدرتهن لوحدهن بالإضافة الى ساعات الدوام الرسمي، تواصلن في تكملة ما مطلوب في الاسرة لدى عودتهن الى اسرهن في الاستجابة المجانية، ليلة نهار، لمطالب الأطفال والزوج والأعضاء الاخرين في تلك الاسر، بالإضافة الى خدمة الضيوف لصيانة صورة مقبولة لسمعة زوجها وكل فرد في بيئتها. قلَّ ما يشارك الرجال كل هذا الواقع الذي ليس بسهل كما يعتزم الذكوريون المعتقدون بان الزواج مع امرأة او أكثر هو توفير ما يجب لإشباع الغرائز والتمتع بالخدمة المنزلية المجانية التي تقدمها النساء بدون أي محاججة من قبلهن. بينما تتناسى النساء المطالبة بحقهم على مشاركة الرجال في واجبات المنزل في شراكة فعلية في ادامة الحياة الاسرية بشكل انساني يعمه الاحترام المتبادل بين الزوجين الامر الذي بدوره يؤثر إيجابا على الاسرة برمتها في تقاسم تأدية المهام في المحبة كأساس لبناء الانسان في المحبة الفعلية وممارسة الاحترام المتبادل لكرامة الانسان. وهكذا يكبر الأطفال وهم مستنشقين معنى الحقوق والواجبات منذ الخلية الأولى ، اي المدرسة الأساسية الأولى لينطلقوا الى الحقول العامة والخاصة وهم مهيؤون جوهريا لإداء خدمات الحياة اليومية بروح يدفع الشعور بالمسؤولية وضمير صاحي نحو الاخرين وليس بهدف السيطرة والتسلط على حقوقهم بتبرير الافساد وخرق القوانين والتفنن في تطبيع السوء بترسيخ نبذ الاخرين بالكبرياء المؤدي الى العنف الذي اصبح جزء من الموروث الثقافي باسم "التربية الأخلاقية" والقيم المشرقية الخ.. وهنا أيضا تظهر أهمية الدور الأساسي للمؤسسات التربوية في بناء أجيال تتوق الى السلام والاستقرار من خلال تحسينات بنيوية المؤسسات التربوية المتمثلة في برامجها التربوية ومستوى كوادرها وحتى البنى التحتية لأبنية مدارسها وملحقاتها التي بتوفيرها معا يمكن ان تصقل وتوسع القدرات الذهنية والعلمية الصحيحة الإيجابية الموجهة نحو خلق مستقبل افضل فيه تصبح قصة الحروب وللاستقرار جزء من الماضي.
أما وسائل الاعلام في كل هذا العمل تلعب دورا مهما أيضا شرط ان يكون اعلاما عادلا وليس موجها مستولياً على مِهنيته بهدف الترويج السياسي او الشخصي، بدلا من ان يكون أداة حقيقية في خدمة المواطنين ليعكس المعلومة بشكل نزيه. وهذا جزء من حقوق المواطن ليُطلع على الحقائق الإيجابية كما السلبية لدعوته الى المشاركة الحية في تشغيل قدراته الذهنية وطرح والمطالبة البدائل والمبادرات التطويرية بهدف إيجاد الحلول نحو الاستقرار والانسجام والسلام المستدام في المجتمع. هنا نوضح بان الامر لا يتعلق بالحقوق وحدها وهي النظرة المسيطرة في الشرق، بسبب الإرث السياسي الفوضوي في جميع الدول والنزاعات المستمرة، يعتقد الناس ان لهم حقوق والموجودين في السلطات المختلفة وحدهم مطلوب منهم كل شيء بدون اي خطأ. مبدئيا هذا امر لا يشك به أحدا. لكن تبقى المسؤولية مشتركة في تقاسم الواجبات ودعم الاستقرار منذ اول لبنة تجمعٍ بشريٍ ما وكل من مكانه، كل شخص يعتبر كامل المسؤولية تجاه سلامة واستقرار بيئته على جميع المستويات. وبشكل يومي نلاحظ في وسط بغداد وفي ابسط الأمور المواطنون يسيئون الى أنفسهم والى المكان وموارد البلد بالإضافة الي سمعته من خلال مد الايادي من نوافذ السيارات لرمي النفايات في وسط الشارع العام النظيف المعبد! هل ليس ذلك تأثيرا ناتجا عن اهمال او التقليل من أهمية السوء من جانب وجهل لخطورة مستوى بذور الجريمة المطبعة في اذهان الفاعلين للتقصير الحاصل في الإجراءات البلدية والمدنية الأخرى التي ربما تحتاج الى تدريب وتوعية لتقوم بواجباتها في وضع التعليمات المطلوبة تحاسب منفذي هكذا تصرفات، عل اقل في الغرامات المالية التي هي أكثر العقوبات فعالية وبشكل متواصل. كما أيضا يمكن توضيح تلك التعليمات برسائل مكتوبة ومعكوسة على الشوارع والمواقف العامة بشكل مجدد لخلق ثقافة تحمل المسؤولية انطلاقا من ابسط الأمور التي ان دل ذلك على شذ فيدل على تربية وتوجيه صحيح. في كل هذا دور الترويج الإعلامي المتواصل لابد ان يوظف وبمخيل المسؤولين كرامة وحقوق المواطن في تربيته على معرفة أداء واجباته كما معرفة حقوقه والتمتع بها.
السؤال عما سبق أعلاه هو هل ليس غياب المرأة وخبراتها المتنوعة في الشأن الاجتماعي خلال صناعة القرار الخاص بكل هذا الواقع المر هو أحد الأسباب لعدم النجاح الحاصل؟ وهنا أيضا لا اعمم كمال النساء، بل اعلم هناك من لسن من مستوى المسؤولية والتواجد البرلماني أحد الأمثلة الواضحة. تزج اغلب النساء في البرلمان من قبل أحزاب تسيطر عليها الذكور لا يهمهم اداءهن بقدر ما يهمهم سد فجوة الكوتا الاجبارية وخاصة ان تكون منفذة بدون شروط، لما تريده الجهة السياسية. هكذا لا نسمع صوتهن ولا نرى وجههن لاي شيء كان وتنتهي الدورة البرلمانية وتعودن الى عائلتهن مستفيدات حالهن حال الرجل معهن ولم تجدي شيئا. انا اقصد من بالفعل لهن خبرات وقدرات ومعلومات متجددة في الشأن الحقوقي والقانوني والسياسي.
الخدمة المدنية ليست فقط مناصب لأجل المناصب، بل قبل أي شيء آخر هي إدراك لما يحمله المنصب والذي ليس الا خدمة المواطن ويتطلب ذلك الشعور بالمسؤولية. والخدمة العامة ليس لها دليل اخر الا المواطن. اذن قبل ان تكون حوافز مالية وجاه هي خدمة الآخر أيا كان مكانه في المجتمع.
بالمحصلة الاسف يكمن في تهميش النساء القادرات لأنهن مبدئيا، النساء أكثر خبرة في الشأن الاجتماعي من الرجال. لكن وبشكل غريب، الفاعلات تستبعدن لحساب التابعات. وانعدام التوازن هذا والفوضى يقضيان على عجلة التقدم تأكيدا لما قيل عن عدم وضع الشخص الصحيح في المكان الصحيح!
باسكال وردا عضو مؤسس ورئيسة منظمة حمورابي لحقوق الانسان
سفيرة السلام ومستشارة دولية ل IWPG في كوريا الجنوبية
مستشارة دولية لمؤسسة التضامن المسيحي الدولي في سويسرا
عضو مؤسس وعضو في الهيئة الإدارية لشبكة النساء العراقيات
عضو استشاري ليونامي في المجموعة النسوية العراقية
وزيرة الهجرة والمهجرين الأسبق