Skip to main content

وان كان المجتمع الدولي قد تأخر كثيرا في النزول إلى الواقع

بقلم باسكال وردا

رئيسة منظمة حمو رابي لحقوق الإنسان

وزيرة الهجرة سابقا

12/10/2015 بغداد

في الوقت الذي تشجب وتستنكر منظمة حمورابي لحقوق الإنسان العمل الشنيع بذبح الشبان الثلاثة الآشوريين المسيحيين في سوريا, نرى أملا جديدا في الأفق من خلال عزم  الأمين العام بان كي مون في توجيهاته نحو تحقيق استراتيجيات فاعلة  ومباشرة  ضد الإرهاب الداعشي.

 ودون شك يمثل الحراك الدولي بعد العمليات الجوية الروسية شوطا مهما في حياة المجتمع الدولي للمضي قدما في تحقيق الهدف باستثمار التنسيق الجاري في صفوف العمليات العسكرية العالمية المتمثلة في تدخلات جوية عسكرية روسية في سوريا, وأمريكية في العراق تحقيقا لأهداف مشتركة بين القطبين الروسي والأمريكي والمتمثل بالدرجة الأولى في القضاء على عناصر تنظيم داعش ومن مثلها من الحركات المتطرفة الإرهابية. لقد أكد مؤخرا هذه الحقيقة السيد بان كي مون من خلال  تشجيعه الدول والمنظمات التابعة للأمم المتحدة في التقدم للقضاء على سفاكي الدماء البريئة بمكافحة القائمين على الإعمال الدامية من خلال  أقسى الوسائل في العراق وسوريا لا بل في الشرق الأوسط وأفريقيا لكن بمراعاة امن وسلامة المدنيين.   

وطيلة الأيام الأخيرة، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خطة عمل لمكافحة الإبادة الجماعية والعنف ضد الشعب والأقليات الدينية في الشرق الأوسط و البلدان الأفريقية. وكان بين تلك المناقشات التي وقعت يوم 30 ايلول سبتمبر،  حيث بعد مقدمة من رئيس مجلس الأمن، والوزير لافروف (الاتحاد الروسي)، أكد الأمين العام للأمم المتحدة الالتزام "بالعمل مباشرة مع الدول الداعمة لوقف دوامة العنف هذه التي لا توصف والتي تؤثر على الناس الأبرياء من المسيحيين والطوائف الدينية الأخرى.."

نعم لان هولوكوست المسيحيين لم تنتهي والاعتراف دوليا  بإبادتهم جماعيا لا يزال خطوة عسيرة على المجتمع الدولي بينما وهم أكثر الجماعات البشرية عددا يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد والذبح عبر العالم حيث 150-200 مليون مسيحي يضطهد سنويا فقط لأنه يؤمن بالمسيح!.  ما يبرر لهم حقهم في التطلع الى قرار دولي يستصدر لصالحهم وهذا  ليس إلا من ابسط حقوقهم الإنسانية لما يمارس ضدهم من بشاعات الإبادات الجماعية, أكان ذلك بشكل جماعي أم فردي. وهذه الأوضاع متواصلة الوجود في جميع دول الشرق وآسيا وإفريقيا وبشكل خاص في العراق. كما انه ها الاعتراف المطلوب لا يمثل الا الزام الدول في تطبيق لما ورد من حماية الحقوق الأساسية للفرد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم توقيعه واعتماده من قبل أكثر دول العالم والقاضي  باحترام حق الفرد والجماعات في حرية الضمير لاختيار دينهم والتعبد بما يرونه صحيحا لهم .. كذلك التزاما بما ورد في المعاهدات والاتفاقيات  الدولية الأخرى مثل العهدين الدوليين لسنة 1966 الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية  والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالإضافة إلى باقي النصوص الخاصة بحرية المعتقد وبالباقي الحريات المنصوص عليها في الوثائق الدولية سواء  كحقوق مكتسبة ام طبيعية ولدت مع ولادة الإنسان  ..اما ما نراه اليوم وكما  يصف الأمريكي جون آلن أن "الحرب الحالية هي حرب عالمية ضد المسيحيين,حيث يقوم بها جزء ليس بقليل من المسلمين نظرا لما يمارس انطلاقا من العراق والعربية السعودية تواصلا إلى نيجيريا والسودان كما كوريا الشمالية والصين, في حين ان الفاتيكان وقداسة البابا فرنسيس يعبران عن قلقهما عن مصير المسيحيين في تلك البلدان, يواصلان في رعاية مبادئ الحوار بين الأديان لإيجاد سبل التعايش السلمي. مع في الكتاب الأسود,الذي تم نشره قبل أيام عن أوضاع المسيحيين في العالم, والذي تم تحقيقه بشكل جماعي بإدارة الفرنسي المطران دي فالكو والانكليزي تيموتي رادكليف الرئيس العالمي السابق لرهبنة الدومينيكيين والايطالي اندريا ريكاردي وتم تنسيقه من قبل أخوة الصليب صموئيل ليفن, يظهر بانوراما العمل الخيري الذي حققته المنظمات الخيرية مثل الكاثوليكية المعروفة ب "الكنيسة المتألمة " والبروتستانتية المعروفة ب "الأبواب المفتوحة"  أو من قبل معهد " بيو فوروم" أي منتدى المقعد, في الولايات المتحدة"الامريكية  

أن منظمة حمورابي لحقوق الانسان تهيب بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, بان يبادر إلى المزيد من الحزم والضغط لفرض مشروع قرار دولي خاص بالمسيحيين, للاعتراف بهذه الجرائم دوليا واعتبارها كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لتجنب المساهمة في إفلات المجرمين ومن ورائهم عن المحاسبة. وهذا يمثل  أحدى أفضل الوسائل المستدامة للحد من تكرار وقوع تلك الجرائم  لما سوف يتضمنه قرار أممي من التزامات و أعباء أخلاقية  و اقتصادية ومسؤولية كبرى على سلطات الدول المعنية ليصبحوا حماة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية أو السياسية وذلك من خلال فرض قوة القوانين الوضعية الوطنية بعد تكييفها مع القوانين الدولية, وليس استغلال المناصب لإغراض شخصية أو طائفية عمياء ومواصلة إهمال القوانين البالية لتتآكل من المجتمعات التي بذمتهم. أما أن تبقى الساحة مفتوحة أمام الذئاب فأنهم لا يتعايشوا مع احد . والنتيجة هي المزيد من سفك الدماء وللاستقرار وانعدام السلم والأمن الدوليين.  مع العلم  العمليات العسكرية مهما كانت فعالة فهي لا تستطيع لوحدها أن تحل المشكلة جذريا لان تلك العمليات لا تستطيع أن تكون أكثر من في زمن معين ومكان معين او حتى لاماكن وفترات معينة . أما عمليات الإبادة الجماعية وممارسة العنف فمنتشرة في العديد من القارات ومناطق مما يتطلب وسائل تشريعية دولية صارمة مثل المقترحة أعلاه - بالإضافة إلى التدخلات العسكرية- للوصول إلى نتيجة ملموسة جنبا إلى جنب مع ما ورد في حديث بان كي مون قائلا: "إن وجود العديد من السفراء في اجتماع مجلس الأمن يوضح الاهتمام المشترك ويؤكد التزام الجميع قرارات ملموسة حقيقية ..وواصل قوله أن شمال أفريقيا والشرق الأوسط تواجه الآن هجمات رهيبة من داعش، ويجب علينا اتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين:  "العراق وليبيا وسوريا واليمن هم محور اهتمامنا المشترك، ونحن نشاطر المسؤولية عن حل لأوضاعهم."
وأشار الأمين العام  إلى ثمة حاجة إلى اتخاذ قرارات ملموسة لتعزيز "الإستراتيجية العالمية 
المعادية للإرهاب" Stratégie Globale Anti-terrorisme ومكافحة جميع أشكال التطرف العنيف.
وقال ايضا في الأيام المقبلة، انه سيقدم خطة عمل واسعة وتوصيات لاتخاذ إجراءات من قبل  أية دولة عضو وأي وكالة ذات الصلة بالأمم المتحدة لمكافحة التطرف العنيف. 
الأمم المتحدة لا تعمل إلا من خلال وكالاتها الخاصة، ولكن أيضا تدعم أعمال كل حكومة وطنية في هذه المعركة.
ففي الفترة نفسها ، من بداية تشرين الأول الجاري أكتوبر، وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كما الاتحاد الروسي، يقومان باتخاذ تدابير ملموسة لمعاقبة أي شخص في تجارة الأسلحة والموارد النفطية مع إرهابيي 
داعش  وأظهروا بذلك كيف أن مختلف الولايات يمكن أن تتدخل بقسوة، وراء القرارات الحربية، لمنع أي شكل من أشكال التمويل المباشر للكتائب الإرهابية التي جعلت الشرق الأوسط وأفريقيا في وضع دام باستمرار.

إن المذابح الجماعية للمسيحيين تزداد توحشا حيث العشرات لا بل المئات من الشباب والشابات المسيحيين في سوريا وأيضا في العراق لا يزالوا رهن الذبح. قبل ايام تم اختطاف  طبيب مسيحي في بغداد وبعد دفع فدية تم إطلاق سراحه .. ومن ينسى مذبحة سيدة النجاة حيث الناس والكهنة المستشهدين لم يكونوا إلا بوضع تمجيد الله في قداس يوم الاحد في وسط بغداد وو.... كما تم تنفيذ هذا العمل الشنيع للإبادة الجماعية بحق العديد من الكفاءات المسيحية منذ 2005  راجعوا التقارير السنوية لمنظمتنا في  www.hhro.org  و عوائل باكملها دمرت في حملات الاختطاف والقتل  والتهجير القسري في بغداد والموصل وكركوك وغيرها لا بل حتى في زاخو بهدف افراغ العراق من أبنائه الأصليين مثل المسيحيين والايزيديين وباقي الأقليات القومية والدينية.. واليوم نشهد تواصل تكرارالجريمة النكراء للإبادة الجماعية بحق  ثلاث شبان آشوريين مسيحيين من منطقة الخابور في سوريا بعد اختطافهم وتعتذيبهم وهم كل من الشهيدآشور روستم ابراهم وبسام عيسى ميخائل والدكتور عبد المسيح انويا الذين من على مذبح حرية المعتقد وبأيادي داعش الآثمة في سوريا, تم ذبحهم بدم بارد ليبقى دمهم عربونا لتواصل التمسك برسالة السلام والمحبة والرحمة التي مات المسيح وقام وارسل روحه القدوس لأجل ترسيخها. والجدير بالذكر ان هؤلاء الشهداء الإبطال الثلاثة هم أحفاد الناجين من الإبادة الجماعية ضد الآشوريين الكلدان السريان المسيحيين في سميل سنة وذلك 1933بامر الداعشي بكر صدقي في عهد رشيد الكيلاني . وان داعش ذلك الزمان لا يزال يلاحق هؤلاء المسيحيون حتى حيث ما فر أبائهم بهم من سهل السليفاني (الصليباني) بجوار دهوك إلى سوريا في أمل توفير الأمان لهم.

                   

                                            شهداء حرية المعتقد المسيحي  في سوريا 2015

أما الضمير العالمي فما زال يفكر بمعادلات سطحية خاضعة للألاعيب السياسية الفاسدة والمنافع والمصالح  الاقتصادية دون أن يكون هناك تكاتفا حقيقيا لوضع تدابير تتلاءم وحجم خطورة توحش التراجيديات اللاانسانية الممارسة بحق الأبرياء.

أما المطلوب اليوم فهو وبشكل لا يقبل المماطلة, قلع هذا الروح ألظلامي الدموي من جذوره المبنية على سفك الدماء وعلى الاغتنام من خيرات الآخرين و تشويه القيم هدرا لكل ما هو بشري وجميل مغطيا ذاته المجرمة بغطاء ديني إسلامي, الذي من المفروض أن يقلعه المسلمون قبل غيرهم على الإساءة التي يتكبدها دينهم من هؤلاء المجرمين.   

وبالرغم من البطء في إجراءات المجتمع الدولي ,ربما حلا يلحق حزم السكرتير العام للأمم المتحدة و هو بداية لوضع نهاية لهذا الوجود الكارثي الذي خلافا لذلك سوف يتوجه إلى الغرب كما بداء بذلك في بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأمريكا واستراليا وغيرها من الدول التي شهد هذا التنظيم المتوحش أرضا خصبة لنموه فيها وانتشاره بشكل سريع في بلدان ضعيفة البنية السياسية والأمنية مثل العراق وسوريا حيث لقي من احتضنه من المستقتلين للوصول إلى مكاسب السلطة بالترهيب والمذابح الجماعية في ارض الرافدين عازمين على تحقيق   "دولة الخلافة الإسلامية" مستعيدين التاريخ وتقليده حرفيا لترسيخ وسائل التمثيل بالكرامة البشرية في بلد غطت عليه الظلمات بإنجابه العديد من المجرمين أمثال المدعو بغدادي الذي وللأسف الشديد,هو من نتاج التعليم العالي العراقي. والأكثر خطورة يتواصل تعليم هذا النهج الجهادي  في العديد من الجامعات العراقية إلى يومنا هذا ما يجعل مستقبل البلاد غامضا وعدم استتباب الأمن طويلا ونزيف الهجرة حلا للمواطنين وبشكل خاص المسيحيين والايزيديين وباقي الأقليات غير المسلمة.

و بما إن ثقة المواطنين بأجهزة الدولة قد تزعزعت من جانب وضعف الأداء الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية الذي شهدوا به للمسيحيين في الموصل وسهل نينوى كل من الجيش والبيشمركة حيث تم تسليمهم فريسة سهلة لدواعش حيث اختطفت بناتهم بما فيه الطفلة كرستينا التي انتشلت من صدر أمها وهي رضيعة في السنة  الثالثة فقط من عمرها ما تزال

مجهولة المصير

 

                          الطفلة كريستينا لا تزال في السبي الداعشي الاسود

 والاسوء يبدو إن هؤلاء الداعشين هم من القرى المجاورة لبغديدي (قرقوش) مسقط رأسها وهي في طريق النزوح تم سبيها مثل عدد من المسيحيات من سهل نينوى كما وقتل عدد من أبنائهم بالنيران المتبادلة بين "القوات الأمنية" ودواعش قبل تهجير قرقوش النهائي في آب 2014. وفي نفس الإحداث من ينسى ما أصاب الآيزيديون في سنجار حيث تم إبادتهم بشكل متوحش وما زالت بناتهم ونسائهم في سبي يتبادل بهم مجرمو داعش في المتاجرة بهن  في أسواق النخاسة معتبرين إياهن "غنائم حرب", المصدر الرئيسي للعيش للمجاهدين.  ونحن في القرن 21 , أجيال القوانين الدولية المانعة لجميع إشكال العنف. هل تعرض هؤلاء المسيحيون والآيزيديون لأحد من المسلمين حتى يبرر المجاهدون بأنهم "يدافعون عن الإسلام" بهذا النوع من الجرائم؟ هل يوما شكلت هاتين المجموعتين العراقيتين الاصيلتين  تهديدا ضد مصالح احد؟ والى متى تبقى المراجع الدينة المسلمة تغض النظر ولا تفرز بين المجرمين وباقي المؤمنين من المسلمين لتبرئتهم وفصلهم عن  الذين أسوأ من النازيين, يمثلون بالبشر بلا أي إحساس بالرحمة ؟ ولا يمكن وصف ما أصاب هؤلاء الأبرياء من ظلم وبشاعات غير قابلة للسمع  ممارسين عليهم كل أنواع الانتهاكات الصارخة من العنف الجنسي والجسدي والنفسي والمادي الذي سمعنا ورأينا آثاره في قصص وعلى وجوه الناجيات من الايزيديات بشكل عميق.

  ترى من سوف يحمي هذه الجماعات بعد تحرير مناطقها عندما ترى بان "حامينا حرامينا"؟ هل هنا يا سعادة الأمين العام للأمم المتحدة ليس لكم استراتيجية ميدانية لحماية هؤلاء الأمم المستضعفة ليس فقط لسلامتهم كجماعات فحسب بل وأيضا لأجل تحرير مستدام ولأجل سلم وامن مستدامين في بلد لم يختبر البتة هذه العطايا المذكورة وخاصة الأقليات الدينية والقومية التي كانت في السابق, والآن أكثر من أي زمن مضى, بحاجة إلى  حماية دولية كأحد الحلول الواقعية على الأرض, وذلك بالتنسيق والتكامل مع السلطات العراقية المعنية لإرساء الأمن واستعادة بناء الثقة وتدريب الأجهزة الأمنية على روح المسؤولية الأمنية للجميع كما مراقبة أدائهم . وهذا يجب أن يدوم ما لا يقل عن 5-15 سنة ميدانيا على ارض المناطق الخاصة بالأقليات في سهل نينوى والموصل وسنجار وغيرها..خلافا لذلك فلا من عائد سوف يقبل المجازفة مرة أخرى بعد كل ما أصابهم من شدة وسفك الدماء وتجريد من جميع الممتلكات وان كانوا لا يزالوا يئنوا تحت خيام وكرفانات النزوح والتهجير ألقسري وهم أبرياء.

وأخيرا نؤكد تكرارا: آن الأوان ليتقدم  ويتحالف العالم  في استراتيجيات جدية وواقعية لهدف واحد وهو مكافحة  منابع وممارسي التكفير والعنف الإرهابي بإشكاله غير القابلة للوصف, كونه عنف لا يرحم لا البشر ولا الحجر.