Skip to main content

وباء الديكة

عادل سعد 

يتندر عراقيون هذه  الايام بتضمين ميثولجي شائع ( يموت الديك وعينه على المزبلة) في اشارات الى  متمرسين بالطمع ، من خلال زج انوفهم ، ليس فقط في الاستدلال على مخابئ الغنائم ، وانما ايضا  توجيه حاسة البحث الى مكبات النفايات على امل ان يجدوا فيها ما يزيد الثراء لديهم تماهيا مع سلوك  الاديكة ، وكأنهم يشاركون في النوايا  نساء واطفالا  فقراء يواظبون في مراجعات يومية لأطنان النفايات التي ترمى بضواحي مدن عراقية (تتميز)  بالنزعات الاستهلاكية المفرطة جراء مرض الولائم والشعور التاريخي بالمجاعة ولذلك تشغلهم ضرورة البذخ . وهم عموما من  حديثي النعمة ، اصحاب الشراهة النزقة.

على اي حال لا يحتاج المتابعون لهذا الشأن اية جهود ميدانية مضنية للتعرف على افراد يضاهون سلوك الديكة في ملازمة النظر الى  مزابل  علهم يلتقطون  منها ما يزيد ثرواتهم . 

 ان جميع موظفي مؤسسات الدولة العراقية ضمن الفئات الاولى والثانية والثالثة يتسلمون مرتبات ومكافات وهبات اعلى بكثير مما يستحقون ، امتدادا للطعم التخريبي الذي اعتمده برايمر الحاكم الاميريكي للعراق، فقد اعترف ، لم يسألني اغلبهم في مجلس الحكم ماهي  خططي للبلاد ، بل سألتني هذه الاغلبية عن منح ومكافأت لهم ، لقد حصل  نقل مبرمج لتلك النزعة بأتجاه مجسات الدولة في متواليات كسب ، على غرار نوايا الديكة الى حد التطلع نحو المزابل ان كان  فيها ما يمكن ان يلتقطونه فوائد لهم.

 الحال هناك الان موظفون كثار يستطيب لها التمرغ في باحات الصناديق المالية في اي ركن وجدت ، بل امتدت الايدي الى صناديق جمعيات خيرية معنية بالايتام والارامل والمسنين والمشردين.

 هناك صور اخرى للفساد  ،عندما يلجأ البعض في تبرير نقص عدالة سلم الرواتب الى تراجع العائدات النفطية التي يمكن ان تلبي الطموح في تحسين الاحوال المعاشية للعراقيين جميعا وهم يروجون لهذه التبريرات كي  يتم التعتيم الى ما يستولون عليه .

 انها عمليات تمويه وغش ونصب كمائن واستغفال  بامتياز مع ان مرتبات تلك الفئات تبهظ الميزانيات العامة  ، وبتفصيل مضاف ان حالات الاستحواذ هذه تمثل قنوات تفسيد استهلاكي منظم لا سوابق له في الحياة العراقية .

الخلاصة ، ان الغنائم التي يستأثر بها  مسؤولون سياسيون رافعات كبيرة للبطالة  والعجز المتوارث سنويا  بتراكمات مع ضعف  الميزانيات الادارية و التشغيلية . ولي ان اضيف ايضا عن يقين قاطع بوجود متلازمة نزعة التسول التي لم تقتصرعلى فقراء معدمين وانما استمرأت هذه النزعة اغلبية من الموظفين العموميين مما اوقعهم  في متواليات السطو  وتلويث الرأي العام العراقي بروايات ملفقة عن عدم وجود اية بارقة امل في الاصلاح تكريسا لحالة اليأس ، وبالمقابل يمتهنون الاشتكاء الزائف في التركيز على ذريعة ارتفاع الاسعار وان مرتباتهم لا تكفيهم .

 هناك عراقيون تسللوا الى مقاربات من خزائن الدولة العراقية علهم يقتنصون مبلغا من هذه الزاوية او  تلك ، بأسناد انفسهم الى رواتب الرعاية الاجتماعيه خلسة رغم انهم  فوق الغنى  الاعتيادي باكثر من صفحة واحدة ،اخرون  استخدموا ، (مهاراتهم) في توظيف الصفقات  الشائعة (انفعني وانفعك ) على وزن المثل العربي المخضرم (احملني واحملك ) ،ولذلك توالدت  شبكة منافع متبادله غيرمشروعة ، ومعقدة  .

 لقد ضرب الفساد منظومة  الشرف الاجتماعي العام في الصميم ، و هنا تكمن المعضلة ،والمقرف السائد اسريا ، ان هناك عراقيات محرضات ناشطات للازواج على السرقة تماهيا ظلاميا مع شهادة الشاعر المتنبي (على قدر اهل العزم تأتي العزائم ) ،الواحدة من هن لا تتورع من لعنة حظها الاسود الذي لم يساويها مع اخريات اغرقوهن ازواجهن  بالذهب والماس،  والبيوت الفارهة ، وتجزية الوقت في الاسواق ، والاقامة المتكررة بمنتجعات خلابة .

 ان الفقر الاشد عراقيا هو الفقر الاخلاقي  ،وهو فقر  بدون  ارقام ، وتلك معضلة اخرى للذين يعتقدون حسابيا ، ( ان واحد زائد واحد يساوي اثنين) فقط ، من غير الخوض في التفاصيل الجانبية .