Skip to main content

المثقف الطائفي

                  افهم ان يكون السياسي طائفيا، ولكنني لا افهم كيف يمكن ان يكون المثقف طائفيا.

   والمقصود هنا بالطائفية، أعم واشمل من مفهوم معادلة (شيعي - سني) لتستوعب كل التخندقات الضيقة التي تتقدم على مفهوم الانتماء للوطن.

   يكون السياسي طائفيا ليدافع عن طائفته في زحمة الصراع السياسي الذي ابتلي به العراق الجديد، فهو إذن لا يدافع عن العراق، وإنما يدافع عن طائفته فقط، ولذلك انقسم العراقيون الى طوائف متعددة، لا يجمعهم، ولا يمكن ان يجمعهم السياسي الطائفي، لان الطائفية تقسِّم ولا تجمع او توحد، وهي عمرها لم تكن في يوم من الايام عامل من عوامل الوحدة والألفة ولمّ الشمل، ابدا، ولذلك فان اي سياسي يوظفها في أجنداته، إنما يعني انه يريد ان يبقى المجتمع ممزقا ومتفرقا، لحاجة في نفسه يريد قضاءها بالتفرقة.

   اما ان يكون المثقف طائفيا، فتلك ام المصائب، لان المثقف هو الساتر الأخير الذي يتخندق خلفه المجتمع لتحصين نفسه من خطر الطائفية، فكيف سيكون حاله اذا تخندق وراء ساتر طائفي؟.

   ان المثقف، اذا ما أراد ان يؤدي دوره السليم والصحيح في المجتمع، يجب ان يكون وطنيا فقط، يهرب من الطائفية بكل أشكالها، ليظل مصدر قوة في المجتمع، اما اذا كان طائفيا فانه سيكون سياسي بمعنى اخر، وعندها فسيكون مصدر من مصادر تمزق المجتمع وتفرقه وتشتته، حاله حال السياسي الطائفي، فأين سيجد المجتمع، عندها، ضالته، وهو يبحث عن ساتر يتخندق به وخلفه لصد خطر التخندقات الطائفية التي ابتلي بها بسبب السياسيين الطائفيين، من الذين يوظفون الطائفة لمآربهم الخاصة وأهدافهم الحزبية الضيقة؟.

   ان المثقف الطائفي لا يمكن ان يتحدث بالحقيقة ابدا، لانه لا يصل اليها بالأساس، فكيف تريده عن يتحدث عنها؟.

   انظروا ماذا يقول القران الكريم عن المثقفين الذين كانوا يحيطون بالطاغية فرعون {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى* قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى* قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} وقوله تعالى {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ* قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ* قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ* قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ* وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

   فلو انهم كانوا طائفيين، اي انهم كانوا يفسرون الحقائق تفسيرا طائفيا، نسبة الى انتمائهم، فهل كانوا سيصلون الى الحقيقة فيتركون فرعون ويؤمنون بهارون وموسى عليهما السلام؟ بالتأكيد كلا، لان الحقيقة والتفكير الطائفي على طرفي نقيض.

   السؤال: متى يكون المثقف وطنيا؟ ومتى يكون طائفيا؟.

   الجواب: ان الإنصاف في التعامل مع أقوال وأفعال ونوايا الاخر هو دليل الهوية، الإنصاف الذي يعني القدرة على ان يضع المثقف نفسه محل الذي يريد الحديث عنه، من جانب، وكذلك القدرة على ان يتعامل معه بغض النظر عن هويته، فيتعامل معه كما لو انه احد المنتمين الى طائفته والعكس هو الصحيح.

   ان الإنصاف هو الذي يحرض المثقف على البحث عن الحقيقة (الوطنية) فقط والإيمان بها والحديث عنها والتعريف بها عند الوصول اليها، ولذلك فليس عبثا جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) قوله {من لا إنصاف له لا دين له} ولذلك شاع في مجتمعنا المثقف الطائفي لأننا فقدنا الإنصاف ففقدنا ديننا، فلم نعد نأمن لا على دنيانا ولا على آخرتنا، وذلك هو الخسران المبين، والعياذ بالله.

   ان التزام المثقف جانب الوطن في تفكيره وتحليله واستنتاجاته، هو الذي يرفعه عن الطائفية، ولو ان المثقف اصطف الى جانب السياسي الطائفي، لفقد هويته ودوره، وهذا يعني استحالة الحلول، ما يزيد الطين بلّة، على حد قول المثل المعروف.

   ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٤