Skip to main content

بين ايلول الامريكيين وأيلول العراقيين ـ في الذكرى الاربعين لمذبحة صوريا

بقلم: وليم وردا/
يستذكر الامريكيون في ايلول ، شهدائهم الذين سقطوا ضحايا عمليات تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك ، بوضع الزهور وباقات الورود في مكان الحادث يوم 11 أيلول من كل عام .ويحيي الاعلام الامريكي والعالمي والصحافة الغربية هذا الحدث المرعب ببرامج وكتابات مختلفة للأحتفاظ بالمشهد الدرامي الاليم في أذهان الشعب الامريكي والعالم مستذكرا اياهم بهمجية ودموية القائمين به . فأيلول الامريكيين نقطة تحول وحركة ، فيه بدأت خارطة القوى تتغير ووجه الارض يتبدل والموازين والاستراتيجيات تختل ، فاستبدلت فيه المفاهيم والمصطلحات، من حوار الحضارات ومحور الشر الى الحرب على سبتمبرالارهاب ، ليطلق العنان للمارد الامريكي للأقتصاص ممن اعتقد انهم الرعاة للأرهاب ، فانفتحت الابواب واسعة أمامهم لعقاب من يشتبهون به ان له ضلع في الجريمة أو من تفوح منه رائحة التأييد لها ضمنا أو علنا أو من يشعرون ان نواياه وهواه يتقاطع مع نواياهم وهواهم ، ومن تكون سياساته لا تنسجم مع مشاريعهم المستقبلية لرسم خارطة العالم السياسية الجديدة ، والحجة دائما جاهزة الا وهي دعم الارهاب ورموزه المتمثلة بالقاعدة وابن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي وغيرهم وممن لف لفهم . من هنا يتبين ان الشعوب القوية من السهل عليها أخذ حقوقها والاقتصاص من مضطهديها لأنها بشكل تلقائي تعد سلطة وقانون بل كل القوانين ، القانون العام والدولي والانساني  ، فهي قادرة على تكريس جميعها الى جانب النصوص والمواثيق الدولية لصالحها ولمصالحها.

فأيلول الامركيين بلا شك يختلف كليا عن أيلول مسيحيي العراق من الكلدواشوريين السريان ، فعندما تم تفجير أبراجهم الشامخة ،في قرية صوريا العراقية في 16 أيلول 1969 ، فلم تتحرك الارض قط ولم يتغير لونها ، وبقيت الاستراتيجيات والخطط على حالها دون تغيير ، واطبق الصمت المجتمع الدولي والانساني ، ولم تكن هناك آذان تسمع صراخ شعب يذبح في وضح النهار في هذه القرية الوادعة ، صوت شعب لا يمتلك الحرية والقوة للأقتصاص من جلاديه ، وليس له القدرة أيضا على تحريك الرأي العام الداخلي والخارجي ، اناس مسلوبي الارادة املهم الوحيد في أن يتحرك العالم ساكنا لأجلهم ، ولعل أن يتحرك الضمير الانساني ازاء جريمة الابادة الجماعية بحقهم . لكن الذي حصل عكس ذلك تماما ، فالعالم والضميرالانساني كانا غائبين على الاطلاق ولم يتحركا ساكنين ولو قيد شعرة ، ولم يكن للقانون الدولي الانساني حضور، مع تلاشي أصوات الأحرار في العالم وغياب ناشطي حقوق الانسان .

قد يقول البعض ان ماحصل في اميريكا في ايلول 2001 كان يستحق هذا الرد الفعل القوي  من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، كونه قد مس كبرياء الامريكان ورموزهم الاقتصادية والوطنية والأسترتيجية ، وراح ضحيته حوالي اربعة الاف شخصا ، في الوقت الذي لم يذبح في ايلول العراق سوى ما يقارب الاربعين شخصا من المسيحيين ، يعدون في بلدهم أهل الذمة، وفي قرية بسيطة من قرى مدينة زاخو ، التي لا تشكل أي رمز ودلالة للعراق وللعالم وليس لها حتى أثر او ذكر في خارطة العراق مقارنة بنيويورك الامريكية  .

لأولئك نقول صحيح انه في صوريا لم يتم تدمير ابراج للتجارة العالمية بل تعد عملية ذبح كاهن القرية تدمير لأهم برج في القرية ، رمزمسيحيتهم التي يعتزون بها، وان قتل أهلها في مزرعة للثوم بدم بارد ، تعد قتل روح شعب بالكامل يمتد تاريخه الى آلاف السنوات ، الا هو المجتمع المسيحي العراقي ، الذي وضع اللبنات الاولى في بنيان العراق وحضارته ، وحافظ على أهم الرموز العالمية فيه هي لغة السيد المسيح ، بالاضافة الى انه يشكل الارث الحضاري والثقافي لسكان بين النهرين.

 صحيح ان عدد الشهداء في صوريا لم يضاهي شهداء أيلول أميريكا الا ان عددهم لو قيس بالنسبة لعدد المسيحيين في العراق لهو أكثر من النسبة التي يشكلها ضحايا 11 ايلول بالنسبة الى سكان أميريكا والبالغ عددهم أكثر من 300 مليون .

ونحن بصدد أيلول العراقيين واستذكار الحدث والجريمة في قرية صوريا في ذكراها الاربعين ، خاصة انها تعد أول عملية ابادة جماعية ارتكبت بحق العراقيين بعد استلام البعث للسلطة في العراق ، ينبغي علينا ذكر ما حدث  ، ففي هذه القرية التي تقع في سهل صليوانا (سليفانا أوسليفاني ) جنوبي غربي زاخو ، التي يسكنها المسيحيون من الكلدواشوريين وعدد قليل من الايزيديين ، قام ضابط يدعى عبد الكريم الجحيشي من أزلام السلطة البائدة في 16 أيلول 1969 ، بجمع أهل القرية في مزرعة للثوم ، وامر بحصد القرويين الابرار وذبحهم صفا بعد آخر ، وبضمنهم الأب حنا قاشا كاهن القرية ، ولم يتوان هذا الملازم اللئيم من استخدام مسدسه الشخصي في قتل النساء والاطفال الابرياء دون ذنب اقترفوه ، وكل هذا لمجرد انفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة من قبل مجهولين على جانب الطريق الذي كانت تسلكه دورية ناقلة للجنود كانت تتقدم رتلا عسكريا بالقرب من القرية ، علما ان هذا الرتل كان قد اجتاز القرية بعدة كيلومترات .

ان هذا التصرف الاجرامي الذي يفوق الخيال والحسبان لا ينطلق سوى من حقد دفين كان يكنه هذا الضابط اللئيم تجاه أبناء القرية منطلقا من نهج نظامه الدموي الذي حصد المئات من الاشوريين الكلدان في عمليات الانفال السيئة الصيت ، عندما اجتاحت قواته قراهم ودمرتها في مناطق برواري بالا وصبنا والعمادية وعقرة وزاخو وغيرها ، ولم يتم الاكتفاء بذلك فقد تم تجميع النساء والاطفال والشيوخ فيها ليتم نقلهم الى معسكرات خاصة لينضموا الى الآلاف المؤلفة من الكورد ليكون مصيرهم المقابر الجماعية .

لقد حان الوقت اليوم ولا مجال للأنتظار أكثر ، لفتح ملف مذبحة صوريا ، التي يستذكرها مسيحيوا العراق بألم ، حاصة انها مرت دون حساب وقصاص من مرتكبيها . ان وضع باقات الورود على قبور شهداء هذه المجزرة شيء مهم وضروري تقديرا لأرواح أولئك الابرار ، وهذا ليس بكاف ، الا ان الأهم والأكثر ضرورة هو العمل والسعي لتقديم مرتكبيها الى العدالة لينالوا القصاص والجزاء العادل ، لئلا يتكرر المشهد ثانية في قرية اخرى وموقع آخر . لقد حان وقت القصاص ورفع الصوت عاليا ، وتحريك الرأي العام . ان السكوت على الجريمة يسمح للكثير الى التمادي في الاعتداء وانتهاك الحقوق ، وعدم وضع اي اعتبار لحقوق المسيحيين ، وكونهم مواطنين عراقيين ينبغي ان يتمتعوا بحقوق متساوية أمام القانون خاصة ان الوضع الآن ، يتيح لتقديم دعاوي من قبل ذوي الضحايا والشهداء ضد مرتكبي العملية ، الى المحكمة العراقية الجنائية العليا الخاصة بجرائم الابادة الجماعية ، وعلى الكلدواشوريين في العراق والعالم دعم هذا التوجه معنويا وماليا ، وان منظمة حمورابي لحقوق الانسان مستعدة لتبني المبادرة وتقديمها الى المحكمة الجنائية العليا ،دفاعا وضمانا لحقوق المنكوبين في تلك الجريمة النكراء ، ومن أجل وتعويضهم عما لحق بهم من أذى وأضرار .

 

وليم وردا

ايلول 2009