Skip to main content

في ذكرى المولد النبوي الشريف: أيُّ خُلُقٍ نبويّ نحتاج اليوم؟

 

 

كثيرة هي الأخلاق التي تميز بها رسولنا الكريم (ص) حتى قال عنه رب العزة في محكم كتابه الكريم {وإنك لعلى خُلق عظيم} ولكنني ارى ان آية الشورى هي اهم وابرز ما نحتاجه اليوم من الخُلُق النبوي في ظل الظروف القاسية التي يمر بها وطننا الحبيب، العراق.

انها تلخص أخلاقيات العمل السياسي في المجتمع، كما تتحدث عن سر نجاحات الحاكم.

فالآية تتحدث عن سر مهم من اسرار الدعوة المحمدية، واقصد به وحدة الأمة وتماسك المجتمع والتفاف الناس حول القيادة الحكيمة والعادلة.

وبرأيي، فان الوحدة قيمة عليا في الفهم الرسالي النبوي، فلقد قال تعالى في آية الشورى {ٍفبما رحمة من الله لِنتٓ لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين}.

هذا يعني:

الف؛ ان حسن الخُلُق مصدر أساسي من مصادر الانسجام والاتفاق والتوافق والوحدة، وان من ابرزها التنازل للحق اذا عرفه المرء والابتعاد عما يجرح مشاعر الاخر عند الحوار، وسعة الصدر بما يستوعب الرأي والرأي الآخر، بعيدا عن التهريج الاعلامي ونشر الغسيل القذر.

باء: ان رحمة الله تعالى بعباده هي التي تمنحهم المناقبيات التي تمكّنهم من تحقيق الانسجام والتوافق، ما يعني ان الوحدة دليل على وجود الرحمة الإلهية في المجتمع، والعكس هو الصحيح، فإذا وجدت مجتمعا ممزقا ومتهافتا وقد عشعشت فيه الخلافات في كل شيء، وعلى كل المستويات، فاعلم ان الله تعالى قد رفع رحمته عن هذا المجتمع، ففي الحديث الشريف {اذا غضب الله على قوم ابتلاهم بكثرة الجدل وقلة العمل}.

جيم: لا يكفي ان تكون على حق لتقنع الناس بالالتزام بنهجك، فالحق لا يكفي مع سوء الخُلُق، كما انه لا ينفع مع ضيق الصدر، وهو لا يجدي نفعاً اذا كان صاحبه جافيا وقاسيا، وغلظة القلب، اي عدم رقته ورافته، تضيّع الحق على صاحبه.

وان من أسوأ مظاهر سوء الخلق على هذا الصعيد، هو الحزبية الضيقة التي تضيّع حق الناس و أشياءهم مثل الكفاءة والتخصص والعلمية والنزاهة والخبرة، فهي آلة تعمل بالضد من الحكمة التي تقول (الرجل المناسب في المكان المناسب) فلقد رأينا كيف انتهت بنا الامور اليوم في العراق الى الحضيض عندما تحكمت العقلية الحزبية بالساسة والمسؤولين، فإذا بالجهلة والأميّين وعديمي الخبرة والتخصص والقدرات، يتسلّقون المواقع المتقدمة في مؤسسات الدولة، ما أنتج دولة هشّة ضعيفة يحتقرها الأراذل ولا يحترمها المتسكّعون، لدرجة ان المواطن العراقي بات اليوم حطب نيران حرب وأزمات متكررة لا يعرف لماذا تبدأ وكيف تنتهي؟ كما انه أضحى ضحية العقلية الطائفية المتزمتة التي تقتل على الهوية من دون تمييز بين امرأة او رجل، كبير او صغير، طفل او كهل.

في آية الشورى يحث الخالق عز وجل نبيه الكريم على حسن الخلق من اجل تجميع الناس حوله، ما يعني ان حسن الخلق هو علة الوحدة، وعندما يأمر الله تعالى نبيه الكريم ليشاور الناس، إنما لأجل إشعارهم باهتمامه بهم، وتقديره لآرائهم، لان الناس لا تؤمن بقائد غامض الأهداف والنوايا والوسائل والأدوات، او زعيم يخلق الأزمات لتنفيذ أجنداته الغامضة، فعندما نتحدث عن الشراكة في النظام السياسي، مثلا، يجب ان يلمس الشركاء حقيقة هذا المفهوم على ارض الواقع وعند اتخاذ القرار وإلا فسينفضُّون عنه اذا ما شعروا انه اسم على غير مسمى، وان من يرفعه كشعار هو لمجرد ذر الرماد في العيون ليس اكثر، الهدف منه تمرير اجندات خاصة، غامضة ومشبوهة.

ان وحدة المجتمع مقدمة على اي شيء اخر في المفهوم القراني، ولذلك فعندما خُيِّر نبي الله هارون (ع) بين ان يمنع بني اسرائيل من عبادة العجل، اي ارتدادهم عن التوحيد، وبين ان يدعهم وشانهم مقابل ان يحافظ على وحدتهم، اختار الموقف الثاني وقد اثنى عليه القران الكريم.

كذلك الحال مع رسول الله (ص) وأمير المؤمنين عليه السلام، فكم من موقف اختار فيه الامام وحدة المجتمع على (التشريع)؟.

نحن اليوم بحاجة الى شجاعة نبوية وعلوية لنعيد صف أولوياتنا من جديد بما يساعدنا على تجاوز المرحلة بسلام، وإلا فان العراق على كف عفريت.

لا تخدعنا المقدسات الزائفة التي يحددها لنا هوىً متبع او مصالح طائفية او حزبية ضيقة، يوظفها تجار الدين والمذهب، دعونا نفكر بصوت عال وبعقلية إيجابية ومنفتحة، ترفض الخطوط الحمراء التي يصنعها جهلنا وتخلفنا ومصالحنا الضيقة، لتتمكن من تقديم الأهم على المهم، والعام على الخاص، من اجل وحدة المجتمع وإعادة بناء بلدنا العظيم، العراق، ولنحقن دماءنا ونحمي مستقبل أجيالنا.

١٦ كانون الثاني ٢٠١٤