Skip to main content

كلمة وليم وردا رئيس منظمة حمورابي لمؤتمر مستقبل الوجود المسيحي في العراق

كلمة السيد وليم وردا رئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان ، التي القاها في مؤتمر مستقبل الوجود المسيحي في العراق ، والعودة الكريمة للاجئين العراقيين، الذي انعقد في بغداد في يوم 11 كانون الاول 2009 ، وفيما يلي نصها:

 

 

كلمة منظمة حمورابي لحقوق الانسان

المؤتمر الخاص بمستقبل الوجود المسيحي في العراق تحت شعار

" عودة كريمة للآجئين العراقيين" .

 

بغداد ـ فندق المنصور ـ 12،11 ك1/ 2009

 

ان مؤتمرنا يحمل عنوانين اساسيين ، العودة والوجود ، وكلاهما مرتبطين احدهما بالاخر ، فالعودة لا يمكن ان تتحقق دون وجود حقيقي ، ولا يمكن تصور وجود حقيقي دون عودة .

ان عودة العراقيين اللاجئين والمهجرين الى الوطن مرهونة بدعم مقومات الوجود والبقاء والاستقرار للصامدين في ارض الوطن ،من خلال توفير الحماية والامن لهم، وتحسين اوضاعهم المعيشية والحياتية ، تطويرتعليمهم ووضعهم الصحي وبقية مستلزمات العيش الكريم . هذا  ليس فقط سيزيل فكرة الهجرة والتهجير من العقول ، بل سيحفز اللاجئين والمهجرين الى العودة ويشجعهم الى المشاركة في البناء والتنمية التي فيها يكمن سر الوجود . فالعراق لا يمكن ان يبنى ويتطور ويعود وجهه الحضاري دون فعل وجهود ابنائه المخلصين البررة . مثلما لا يمكن للشجرة ان تنمو وتتفرع وتزدهر وتثمر وقد جفت وتيبست جذورها ، فالمسيحيون والصابئة والايزيديون هم جذور العراق ، جذور متوغلة في اعماق تربة العراق وتاريخه الطويل . فلا يمكن تصور عراق مثمر، منتج ، متعافى ، مستقر، في ظل غياب جهود هذه المكونات القليلة العدد . كمالا يمكن تصور عملية سياسية ناجحة وناضجة في العراق ، وهيكل سياسي واضح دون شراكة حقيقية لجميع ابنائه وتمثيل عادل، وليس شكلي لأبناء العراق من صنف الجذور، . العودة لكي تكون ايجابية وبناءة ومفيدة للوطن  لابد ان تكون طوعية وآمنة ، عودة لا تعسفية ، يعود العراقي فيها الى وطنه لا مكرها بل يعود كريما مكرما . لتتحقق العودة ويتعزز الوجود لابد من خلق نهج جديد ، نهجا يحرك ويغير عقلية السياسي العراقي قبل المواطن البسيط ، نهجا يتأسس أولا ،على المواطنة التي لا تحمل درجات أو مستويات ، وتتلاشى فيها المعايير، كل المعايير العددية والقومية والدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها .

ثم على المصالحة الحقيقية ثانيا ، المصالحة التي تتركز في الاساس على التصالح مع الذات والنفس اولا ، بمعنى ازالة روح الضغينة والحقد من النفوس ثم المصالحة مع الآخر المختلف نهجا ودينا وعقيدة وفكرا ، وثالثا... نهجا يقتضي فيه تغيير العقلية المريضة المتوارثة وللأسف باعتبار كل ماهو مسيحي يتبع الغرب ، وما هو شيعي يوالي ايران ، وسني تؤازره السعودية ، وهلما جرا . عندما نستطيع ان نرسم ونعتنق هذا النهج الجديد فلا خوف على العراق ولا خطرعلى مستقبل وجود المسيحيين والصابئة والايزيديين والشبك وغيرهم من (الاقليات ) في العراق .

ان مسيحيي العراق ليسوا مجرد اتباع ديانة مسيحية حالهم حال أي مسيحي في العالم بل هم أصحاب هوية وثقافة ولغة متميزة تربطهم بالعراق ، هوية تمتد لآلاف السنين تعود الى آشورو بابل ونينوى ، ان هذه الهوية لا مثيل لها بين مسيحيي العالم ، فهم يتكلمون السريانية وقاعدتها الارامية لغة السيد المسيح ، ولهم ادبهم وتقاليدهم وعاداتهم العراقية الموروثة من اعماق تاريخ بيت نهرين ، مهد الحضارة الانسانية ، فنزيف هجرتهم المستمر الى دول الشتات سيضع وللأسف نهاية لهذه الثقافة وهذا التاريخ العراقي الاصيل . ومن أجل ايقاف هذا النزيف ومن اجل ايجاد المعالجات والحلول نجتمع اليوم وينعقد مؤتمرنا في بغداد الحبيبة والعزيزة وليس في واشنطن أو باريس او استوكهولم ، ليكون صوتنا أكثر دويا ، وتصبح رسالتنا الى حكوماتنا والمجتمع العراقي والدولي أكثر قبولا وتأثيرا .

جئنا اليوم الى هذا المكان لنبحث الوجود المسيحي في العراق ، ولكي تكون نقاشاتنا جدية وموضوعية  لابد لنا ان نعترف بان الوجود المسيحي في العراق مهدد ، في ظل الظروف غير المستقرة التي يمر بها بلدنا . نجتمع اليوم في هذا المؤتمر لندق ناقوس الخطر وينبغي علينا جميعا المشاركة في البحث في ايجاد المعالجات ووضع المقترحات والتوصيات اللازمة للوصول الى الحلول ، احصاءات منظمتنا حاليا تشير بمعدل عشرة عوائل تغادر الوطن يوميا ...أي بمعدل 300 عائلة شهريا، وهذا رقم مخيف قياسا بمكون قليل العدد ، وان اغلب المغادرين ان لم نقل جميعهم من الكفاءات والقدرات المهنية ، وهنا تكمن محنة الوطن ، ان يهجره ابنائه المتعلمين واصحاب المهن والكفاءات .

 

ايتها الأخوات والاخوة:

اسمحوا لي ان أتكلم كعراقي مسيحي طالما ان موضوع مؤتمرنا يتعلق بالوجود المسيحي ، لأقول كنا كمسيحيين دوما ولا نزال الجنود المجهولين في هذا الوطن وهذا فخر لنا ، لم نسأل لمكاسب أو مصالح للمسيحيين فقط ، مقابل عطائنا للوطن ، كنا دوما دعاة خير لجميع العراقيين بدون تمييز  . ما يؤلمنا ليس ان نكون جنودا مجهولين لوطننا بل ما يحز في نفوسنا ان يكون قاتلنا وخاطفنا ومهجرنا مجهولا ، والذي يتجاوز على قرانا وممتلكاتنا حرا لا تطاله قواعد القانون واليات الحساب. حكومتنا طالبت بتحقيقات دولية  لأستهداف مراكز سيادية، والتي وقعت يوم الاربعاء 19 آب وقد وصفته بالاربعاء الدامي ، كنا ننتظر منها ان تكون قد بادرت قبل هذه الحادثة بممارسة جهدها وحملتها الدبلوماسية لأقناع المنظمة الدولية للأنخراط بفتح تحقيقات في الجرائم الكبيرة التي وقعت خلال العامين المنصرمين ، والتي لا تقل في بشاعتها ودمويتها لما حصل في انفجار وزارة الخارجية أو وزارة العدل . من بينها جرائم قتل وتهجير المسيحيين التي تعد من الجرائم الابادة الجماعية ، حيث تم قتل العشرات من المسيحيين في الموصل وتهجير اكثر من عشرة الاف منهم في تشرين الاول 2008 ، حيث لم تستطع الحكومة العراقية ان تكشف نتائج تحقيقاتها لأسباب غير معروفة، والتفجيرات التي حصلت ضد الايزيديين في القحطانية في نينوى ، والتفجيرات التي حصلت ضد الشبك في بلدة خزنة في نينوى أيضا، ثم التفجيرات التي حصلت في تازة ضد التركمان في محافظة كركوك وغيرها من الجرائم التي استهدفت مجموعات بشرية وراح ضحيتها أعداد كبيرة ، ولا يزال الغموض يكتنفها. أليس من حقنا ان نتساءل ،الا تستحق كل هذه الجرائم الجماعية نظرة دولية واهتمام خاص ؟ ، بدل ان تخضع للمساومات السياسية الداخلية ويسدل الستارعنها وتصبح طي النسيان والاهمال ؟ اذن التحقيقات يجب ان لا تقتصر على الاربعاء الدامي كما وصف، بل لتشمل كل أيام الاسبوع الدامية ، فهناك السبت الدامي والاحد الدامي والاثنين الدامي و هكذا والى نهاية الاسبوع .

 نسمع كلاما جميلا هنا وهناك ... أنتم ورود العراق ... أنتم الجذور والاصل ... انتم ملح العراق ... أقول وفي ظل الواقع ومايجري على الارض ان الورود في طريقها الى الذبول وان الجذور أصبحت لا تقوى الجفاف ، وان الملح على وشك الذوبان ليس في تربة العراق بل في الشتات ودول الانتشار .

نحن لسنا بحاجة الى الكلام المعسول بقدر ما نحتاج الى عمل يدل على اننا شركاء حقيقيون في هذا الوطن ، عملا لا يشعرنا بالاغتراب ونحن في بلدنا ، عملا ينصف عطائنا ومحبتنا واخلاصنا لوطننا ، ان لا يستكثر علينا بضعة مقاعد أو مناصب هنا أو هناك .

أود ان انتهز هذه الفرصة لأخاطب مسيحيي العراق لأقول ... أنتم امناء سر العراق ، والعنصر الاساسي في تعزيز وحدته الوطنية ، لا تقبلوا ان يزايد احدا على وطنيتكم كما لا تزايدون على أخد ، يكفيكم فخرا بانكم لم تكونوا يوما اداة مشكلة او حجر عثرة في تقدم بلدكم بل كنتم ولا تزالون بذرة محبة وعطاء ، عليكم ان تشعروا بالاعتزاز بترفعكم عن الانخراط في اعمال القتل والاختطاف على الهوية ، وعدم رفعكم السلاح بوجه ابناء بلدكم ، او تؤسسوا الى ميليشيات مذهبية ، ليس لأنكم ضعفاء أو جبناء لا سامح الله . بل أعلم يقينا ان هذا نابع من قيمكم وايمانكم بان اسلحتكم التي تحملونها وتفتخرون بها هي ليست اسلحة التدمير الشامل بل اسلحة الحب الشامل للعراق ، فهي الامضى والاكثر فتكا من اسلحة القتل والارهاب . يقينا أحس في هذه اللحظة كم يشعر قاتليكم وخاطفيكم بالخيبة والضعف وهم يسمعون عن نوع السلاح الذي تحملونه في وجوههم ، لا عن ضعف بل بارادة نابعة من قيم حضارة العراق العريق .

ومن هذا المنطلق المبني على القيم الاصيلة والحضارية والنهج الواقعي سنناقش في مؤتمرنا وجودنا والى أين نحن سائرون ؟ سنكون أم لا نكون ؟ هل ان تعزيز وجودنا يقتضي تغيير نهجنا السلمي والتعامل مع الوقائع كما هي على الارض؟ هل هجرتنا هي الحل أم صمودنا والاصرارعلى بقائنا في الوطن ؟ اعادة اللآجئين أم غلق الباب أمام الحائرين بمصيرهم من طرق ابواب الهجرة ؟

ما مسؤولية حكوماتنا ازاء نزيف هجرة المسيحيين ؟ واين تكمن تلك المسؤولية ؟ ما دور المجتمع الدولي ؟ وما مسؤوليتنا أزاء وجودنا ومدى فعاليتنا في انضاج رأي عام عراقي يقف الى جانبنا؟

تساؤلات مشروعة في ظل خوف مسيحي حقيقي على المستقبل ، علينا بحثها في هذا المؤتمر بموضوعية وشفافية وبروح وطنية عالية .

 

ختاما : نتقدم بالشكر اليكم جميعا ، والشكر والتقدير بشكل خاص الى راعي هذا المؤتمر ،فخامة نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي ، وشكر خاص الى منظمة التضامن المسيحي الدولية لتعاونها ودعمها لمنظمتنا من اجل تحقيق هذا المؤتمر . تمنياتنا لكم والمؤتمر بالنجاح والموفقية .

 

                                                     وليم وردا

                                                     رئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان

                                                      11 كانون الاول 2009