Skip to main content

متى يغلق ملف المغيبين والمفقودين العراقيين؟

مداخلة للسيد وليم وردا
في المعهد الفرنسي، بغداد، بتاريخ 12 آيار 2012
وفي مجلس صفية السهيل الثقافي، بغداد، تشرين الثاني 2011

انقضت الى حد ما الحروب الداخلية والخارجية في البلد، لكن آثارها لاتزال ماثلة في نفوس الذين فقدوا أعزاء لهم ولم يعرفوا مصيرهم لحد هذه اللحظة، اذ لايزال العراق غير قادر على طي صفحة المغيبين والمفقودين والقتلى مجهولي الهوية، الذين سقطوا على مدار سنين مضت في مختلف الحروب التي خاضها أو تعرض لها البلد، فيما لايزال ذوي الضحايا لايألون جهداً في البحث عن جثث أبنائهم وذويهم، فبالاضافة الى الآثار النفسية المترتبة، هناك آثار مادية تبرز من حين لآخر كالمقابر الجماعية التي تكتشف بين فترة وأخرى، والجثث التي يجدها الناس بين وقت وآخر.
فقضية المفقودين لاتزال مرتبطة بالعراقيين منذ عدة عقود، طالما كان هذا البلد يعيش حروب مختلفة، لذا ان هذا الموضوع بقى مفتوحاً ولم تتطوى صفحاته حتى مع نهاية الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمان سنوات، ولاحرب الخليج الثانية، بل تجددت القضية بشكل أوسع مع اجتياح الجيش الامريكي للعراق وفي فترة العنف الطائفي التي خلفت آلاف الاسماء التي لايعرف مصيرها.
ففي عام 1985 مثلا فقدت ماركو نيسان زوجها في منطقة ديزفول أثناء الحرب العراقية الايرانية، ولم تفلح جهودها طيلة عقود من معرفة مصير زوجها، وقد افتقدته وهي شابة في العشرينات وهي على أمل ان يعود اليها كلما فتح ملف المفقودين بين العراق وايران، وهي الان أرملة في عمر الخمسينات.
وبعد الحرب العراقية الايرانية ان هذا الملف أصبح أكثر تعقيداً منذ عمليات الانفال السيئة الصيت، ولايزال الآلاف لايعرف مصيرهم بالرغم من اكتشاف العديد من المقابر الجماعية. فالى جانب 180 الف من أبناء العراق من الكورد، فأن منظمتنا (منظمة حمورابي لحقوق الانسان) تحتفظ بقوائم لمئات المسيحيين يطالبون بمصير ذويهم وأقربائهم في تلك العمليات، اعتقلتهم القوات العراقية في قراهم والقسم الاخر سلم نفسه لها بعد اجتياح القوات العسكرية مناطقهم.
قصص مفقودي الحرب عاودتنا بوتيرة أكبر بعد 2003، وخاصة بين أعوام 2005-2008، عند تصاعد العنف الطائفي في العراق.
سيف صبري كامل مواليد 1981 أحد ضحايا العنف الطائفي، كان يقود سيارته نوع جيب شيروكي في حزيران 2007، ومعه زوجته في منطقة هبهب الشارع الرئيسي بين بغداد وديالى، وهي المنطقة التي قتل فيها أبي مصعب الزرقاوي، وبحسب زوجته اعترضتهم سيطرة وهمية، وحاولول الهرب لكن أطلق عليهم النار واصيب في ساقه، قامت المجموعة المسلحة المكونة من أكثر من 7 أشخاص باختطاف سيف وترك زوجته ليغيب ذكره منذ ذلك اليوم.
وتعيش السيدة فيفيان خضر أم رامي، التي فقدت زوجها في نيسان 2007، حالة من الارباك وعدم الاستقرار، فهي لاتعرف هل يجب عليها ان تستسلم لليأس بعد طول البحث عن زوجها، أم تعيش على أمل زائف، حيث داهمت مجموعة مسلحة تدعي انها قوات حفظ الامن، منزلها في بغداد – بغداد الجديدة، بأربعة سيارات مضللة نوع مونيكا – وقيد الى جهة مجهولة، ولاتعرف الان أي شيء عن مصيره، فهي لم تترك مكاناً أو باباً ولم تطرقه لكن دون جدوى، وتعرضت للابتزاز من أناس على انهم يستطيعون الوصول الى زوجها مقابل مبالغ مالية، المشكلة التي تواجهها ان الاملاك والاموال جميعها بأسم المفقود، فهي في حيرة من أمرها، فهل تقوم بأعتباره متوفياً وهذا مالايقبله احساسها وبين الحاجة الماسة للاموال... انها في ورطة.
ولاتزال ريا زورا، وهي أم لطفلتين تبحث عن زوجها الذي اختفى مع سيارته على طريق بغداد الموصل منذ تشرين أول 2007.
وهناك حالات اختفاء جماعية، اذ لايزال أهالي (21) شخصاً مستمرين في البحث عن مصير أولادهم وقد راجعوا منظمتنا، اختفوا بعد خروجهم من معسكر سد حديثة، ويعتقد ان الاختفاء حصل في منطقة الثرثاء، وهم عمال كورد وايزديين يعملون لشركة للطرق السريعة ومقرها أربيل على طريق كركوك. اختفوا مع سياراتهم نوع كيا وبدوكهام.
أما المواطن كمال امين عبو المتواصل في الاتصال بنا ولم يألوا جهداً لطرق كل الابواب في البحث عن أبنه بشار، الذي اختطف في بغداد في نوفمبر 2007، حيث كان مستمراً بالاتصال بالعصابة التي اختطفت ابنه، الا ان القوات العراقية والامريكية داهمت المنطقة التي كانت تتواجد فيها العصابة، وتم اعتقاله وكأنه ايضاً أحد أطراف العصابة. والده لم يتوجه الى الطب العدلي والحاسبات الموجودة في بغداد للاطلاع على قوائم المفقودين فحسب، وانما حتى البزول في منطقة مشروع الوحدة حيث اختطف ونهر دجلة.
وهناك أكثر من (20) صحفي لايعرف مصيرهم حتى اليوم وغيرها من حوادث الاختفاء التي كانت ترتكب في وضح النهار، كما حدث مع كادر اللجنة الاولمبية وأختطاف موظفي وزارة التعليم العالي ومنهم الدكتور سلام سويدان الذي عثر على جثته بعد عام من البحث في مقبرة خاصة بمجهولي الهوية وتم نقلها الى مقبرة عائلته فيما بعد بالرمادي.
أمل الكثير بأن تلتفت الجهات المسؤولة الى قضيتهم وتدرك حجم معاناتهم وتضع حداً لانتظارهم اليائس والمحبط وهم يعيشون بين الشك واليقين والامل المقرون بالاوهام.
السؤال الذي يطرح نفسه، الى أي مدة هناك استجابة من الحكومة تجاه هذا الملف... هل يسجل تقصير على الحكومة؟ أم ان هناك عجز في أمكانية تنظيم  وحل هذه المشكلة؟ هل هناك نية لايجاد حل لمعاناة أبناء هذا البلد؟
الجواب: هناك نية... لكن هنالك سوء تنظيم وبيرقراطيات وفوضى في ادارة هذا الملف.
نحن كمنظمات لانعرف من هي اللجنة والجهة الحقيقية لمتابعة هذا الملف...؟ وكيف نوجه الناس... الناس يطرقون أبواب عديدة لعل ذلك ينهي معاناتهم.
مانعرفه: كان في البرلمان في عام 2006 نقاشات في البرلمان لوضع قانون المركز الوطني للمفقودين والمغيبين... مهمته للبحث والتقصي والتوثيق عن المفقودين – بدأ العمل به منذ فترة حكومة السيد آياد علاوي من خلال وزارة حقوق الانسان.
نعرف ان قانون رقم (20) لسنة 2009، المتعلق بضحايا الارهاب والتعويضات لذوي الضحايا والذي نص على صرف حقوق تقاعدية لذوي ضحايا الارهاب، بينما نص القانون رقم (90) لسنة 2009 الصادر عن وزارة المالية على صرف مبلغ 3,750,000 لكل عائلة شهيد ومتضرر من ضحايا الارهاب في العراق.
علمنا ان وزارة الدولة المكلفة بشؤون ضحايا ارهاب السيدة بشرة الزويني، قد شكلت لجنة بالتنسيق مع رئاسة الوزراء لتعديل قوانين تعويض ضحايا الارهاب بهدف حل هذه القضية التي باتت مطلباً شعبياً.
علمت قبل بضعة أيام خلال حديث جانبي بيني وبين السيد كامل أمين مدير عام في وزارة حقوق الانسان، بأن عدد المفقودين والمغيبين المسجلين في وزارة حقوق الانسان بلغ 15,000 ، وعدد الذين تم العثور عليهم هو (7) أشخاص... وحالياً هناك فريق من وزارات العدل والصحة وحقوق الانسان، يقوم بأخذ عينات من بقايا مجهولي الهوية لتحليل الحامض النووي لهم وحفظه، ثم دعوة عوائل الضحايا لنفس الغرض بهدف مطابقة التحاليل، ليتم استلام رفات من تتوائم تحاليله مع ذويه المقربين.
السؤال الآخر الذي يطرح...
الى أي مدى تمتلك مؤسساتنا الخبرة والاستيعاب للأعداد الكبيرة من المفقودين... وهل تم الاستعانة بالخبرات الدولية، كاللجنة الدولية لشؤون المفقودين التي عملت في يوغسلافيا، وعملت في تايلاند، وجزر المالديف بعد أحدث تسونامي 2004، وساعدت في تحديد هويات ضحايا اعصار كاترينا في الولايات المتحدة الامريكية، وساعدت الكويت في تحديد هويات ضحايا الاحتلال العراقي للكويت.

وليم وردا