Skip to main content

مريم... مسيرة الروح في الأيمان

أطراف الميلاد: (الحلقة الثانية)

مريم... مسيرة الروح في الأيمان

                                                                                      الموسنيور د. بيوس قاشا

          في البدء

وهانحن نواصل مسيرتنا الميلادية برفقة مريم العذراء ، نقرأ ما كتبه  متى الإنجيلي "أما مريم فكانت تحفظ هذا  الكلام كله " (لو19:2)، وبحفظها لهذا الحدث السماوي عاشت بجسدها حقيقة عمل الروح في حشاها. فبولس الرسول يقول:"أرسل الله إبنه مولوداً من عذراء" (غلا4:4)، وفي هذا الإرسال جمع الله كل تاريخ شعبه منذ يعقوب وإلى داود ليكون علامة يجمع تاريخ الشعوب حين يكون المُلك له (1 كورنتس 24:15-26) فتراه يملك على قلوب الكثيرين بفيض حبه واحترامه لإنسانيتنا الضعيفة والتي قدسها بمسيرته الإلهية هذه. فقد أمسك الرب بيد الذين إختارهم ليقودهم في طريق لم يكونوا ليحلموا بها. وها هي مريم، تلك الفتاة الوضيعة، المسكينة، الفقيرة، المتبتّلة في الهيكل، الطاهرة، أقرّت بذلك عن نفسها إذ قالت "صنع القدير بي عظائم" (لو48:1).

مسيرة ايمانية

          إنها مسيرة مريم الايمانية ، بل إنها مخاطرة في الإيمان في اختيار الله لها. فقد سبقها في ذلك موسى الذي استطاع أن يكلّم الله على الجبل، وقبله إبراهيم في تقدمة إبنه اسحق، ويشوع في حبسه للشمس ، ولكن مريم اختلفت عنهم جميعاً لأنها "امتلأت من نعمته" كما قال لها الملاك "يا ممتلئة نعمة" (لو28:1). وإكراماً لهذا الاختيار ولهذه المخاطرة في الإيمان كان الفعل الشخصي لها بذاتها والاستسلام الكامل لمشيئة الله وإرادته، وعبر النعمة التي أُعطيت لها أعطت قلبها بعد أن امتلأ من الله وتمّ التجسد في حشاها فصارت هيكلاً لسكنى الله بل أصبحت حشاها أوسع من السماء، بعد أن تواضعت امام مخطط الله ورسالة الخلاص  .

          مريم بتول

          ففي ذلك ادركت مريم ان دعوتها ما هي الا عبر تواصلها الشخصي بينها وبين الله، فأنشدت "نعم"، وما ذلك إلا دعوة وتعليم لنا إذ حينما يسكب الرب نِعَمَه، علينا أن نقول "نعم" جواباً لسؤال الرب لنا. ولكونها وفية وأمينة لدعوتها البشرية طلبت من الملاك أن يوضّح لها سر النعمة هذه فقالت "كيف تريدني يا رب أن أكون في الوقت عينه أمّاً وعذراء؟"" أنا لا اعرف رجلا " ( لو 35:1) ، أجابها الملاك "الروح القدس نفسه يحلّ عليكِ" (لوقا 35:1)، " ويتكون في حشاكِ يسوع الذي يدعى المسيح" (لو11:2)، حينها ادركت أنه يجب عليها أن تترك الأرض وأفكارها، والناس ومشاغلهم، والمسيرة وكبريائها،والكراسي وعناوينها والرئاسات وازلامها لتسكن متواضعة أمام جواب الرب.من اجل السماء وعمل خلاصها . وهذ الروح هو نفسه الذي حلّ على وجه المياه كما يقول سفر التكوين (2:1) فأخرج منها كل حياة، هو نفسه يحلّ اليوم على مريم لتصير أرضاً للحياة، وفيها يقيم الإله مَن هو الحياة (يو4:1) ومَن هو الطريق والحق والحياة (يو6:14). وهو نفسه الذي رافق مريم طوال المسيرة، هو نفسه يرافقنا. فمنذ قبولنا سر العماذ المقدس نقبل نفحته، ومريم التي غطست في يسوع المسيح فقد تعمّذت بقوة روحه. كما إن الرسل تعمّذوا بموت وقيامة المسيح فما احتاجت مريم ولا احتاج الرسل إلى معمودية الماء، ولكن بالنسبة لنا كان رسالة أسمية فقد أعتمذنا باسمه ،"  من آمن واعتمذ خلص " ( مر 16:16) فنكون من رعيته" الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف " ( يو11:10) ومن أغصانه " أنا الكرمة وانتم الاغصان " ( يو 5:15)، فهو يسلك معنا وهو لن يسمح أن يمسنا الشرّ، كما لم يسمح لأحد أن يمس حشا العذراء، فحفظها بتولا  مدى الايام وحتى النهاية.منذ الحبل بها وحتى انتقالها .

أمناء وأوفياء

إنَّ الحياة توصينا دائما أن كل كلمة "نَعَم" والتي قالتها مريم ترسم لنا طريق السماء حينما نقولها و ما هي إلا لتحقيق مشروع الله الخلاصي الذي عُرض علينا واخترناه. إنه مشروع الله وليس مشروعنا، وعلينا أن نحمل العهد على أكتافنا" أحملوا  نيري عليكم" (متى29:11) "كما حملته مريم وحفظته ( لوقا 19:2) كما يقول الرب ايضا والذي قطعناه على عاتقنا يوم صبغتِنا بماء العماذ ونفحة الروح التي حلت علينا  كي نكون أوفياء وأمناء لتحقيق ما بدأنا به ولا نحتاجه لتمجيدنا من البشر المائتين، وهنا تكمن الحقيقة في مسيرة نحملها نعمة في قلوبنا و إيماناً بعقولنا ، كي نواجه صعابنا وما يعترض طريقنا. فالعذراء مريم تعلمنا انها ليست لنا مثالاً فقط ولكنها مسيرة ايمان  ووفاء تجاه مخطط الله وليس مخططات الدنيا المزيفة وكبار الزمن ومصالحهم لأن الحقيقة هي أساس الحب وعليه يعتمد كل شيء..ومن يحب يترك كل شي ( لوقا 22:18) من اجل الذي احبه .

الخاتمة

          ما نحتاج إليه استسلامنا لمشيئة الرب، وان نجعل من مريم مثالَ مسيرتنا في طريق الحياة وان لا نجعل من أمراء الدنيا آلهتَنا، ومن كبارِ زماننا أسياداً علينا، ومن أصحابِ المركبات والكراسي حقيقةَ وجودِنا،  ونعمةَ عالمِنا، فلا يجوز تأليه من نشاء من أجل مصالحنا المميتة والفاسدة،  بسبب دنيانا ومشيئتها ، ونهمل بل ننسى أن الحقيقة ما هي إلا حقيقة ايماننا وعبر النعمة التي وُهبت لنا وليس من اشخاص يتزعمون براءتنا ويدعون أنهم  كبارُ زماننا ورؤساءُ ديارنا ، فيجعلون من انفسهم أسيادَنا ، ويعلنون أنَّ الربَّ  أرسلهم،  وينسون أن كل نِعَمِهم ليست بهمّة عقولهم ونعمة قلوبهم بل بالروح الذي اختارهم ليكونوا مَثَلاً كما كانت مريم العذراء. وليدركوا أنَّ مريم سارت امامهم لتعلمّهم عملَ الروح بقولها" نظرَ الى تواضع أمته فصنع بي عظائم "  (لوقا 1: 52) ، فعظمتنا ليست فقط في وجودنا البشري ولكنها بعظمة الروح الذي يحيا فينا ويعمل معنا ويشاطرنا مسيرة الحياة ، كما كان مع مريم،  فما علينا الا ان نكون أوفياء لسؤال الرب لنا،  وأُمناء جواباً لسؤاله هذا ، وليرشدنا الروح الى هذه الحقيقة ، إنها مسيرة ُحياتنا ، وهذه رسالتنا إنه عملُ الروح عبر إيماننا وصبغةِ عماذنا ، نعم وامين .