Skip to main content

نجمة عراقية !!

مقال عادل سعد الاسبوعي في صحيفة الوطن العمانية المنشور يوم الجمعة 30/12/2016

 

نجمة عراقية !!

                                                                                 عادل سعد

هي نجمة عراقية بمقياس النجومية الحقيقية الغائبة الان قسرا مع الاسف من ساحات اهتمامات  الرأي العام على صعيد بعض الدول ، او في عموم العالم , هي نجمة ليست مصنعة تجاريا لأهداف التسويق والربح السريع من خلال اللعب على ذقون المستهلكين .

 لم يمر اسمها ولا صورتها على الاعلام بضخ دور الازياء ودكاكين التجميل من شركة ماكس فاكتر الشهيرة الى شانيل الفرنسية وصولا الى شركات صناعة مواد التجميل الصينية والتايوانية التي لم تكتف بما لديها من معامل من هذا النوع على البر , بل حوّلت بعض السفن القديمة
( المتقاعدة ) الى مصانع تنتج ملايين الاطنان من الاكسسوارات ودهان الوجوه والعطور المغشوشة التي ليست سوى افخاخ من الرائحة الكاذبة وكذلك ما يحصل من مزاعم تتمثل في وصفات مزورة لتخفيف الوزن ليصل الى وزن عارضة الازياء البريطانية السابقة تويغي .

هي نجمة قد تكون استمدت حضورها من ملحمة كلكامش في البحث عن الخلود وقد تكون ملامحها من المعالم الحقوقية والاجتماعية التي ميزت مسلة حمورابي القانونية بكل ما تحتضن  من نصوص تمجد ارادة الصبر وقيم التضامن وشروط النخوة و العيش في مقاربة روحية جمالية لا حدود لها للحفاظ على الاغصان المثمرة .

هي نجمة ربما حملت ارادة الامبراطور العراقي القديم نبوخذ نصر وما حفلت به الجنائن المعلقة في بابل من سطوة هندسية مدهشة , هي نجمة تعطرت برائحة النرجس الشمالي والعشب الاشوري , هي نجمة اشراقتها من رذاذ شمس العراق ونسائم جباله ونباهة النوارس عندما تتقاسم نزاهة الشواطىء .

 لكي لا اقع بالاسهاب المفرط , الخلاصة انني اقصد بذلك السيدة العراقية زريفة باكوس  مواليد 1939 , التقيتها في اربيل وكل ما قيل لي من معلومات عنها انها بقيت اسيرة المجاميع المسلحة لداعش عندما احتلت مدينة الحمدانية احدى اكبر حواضر محافظة نينوى بعد الموصل , وللتعريف بها اكثر لا تمت السيدة زريفة بأية قرابة او صلة لنجومية سياسيين عراقيين ايدوا قانوناً لتحريم الخمور ويلتقون (عليها) في موائد عامرة ليلا ! , كما لا تنتمي الى سياسيين وانصاف مثقفين ولا الى واجهات اجتماعية تتقاسم الشتائم والشكوك من مظلومية اصابتهم وهم يتبارون في فتح ارصدة يسيل لها اللعاب خارج العراق , ويلبسون افخر ما تنتجه الة الازياء الاوربية ، ويتفرجون على (اسمال) بعض العراقيين , لا يتورعون من المهاترات ويصوتون في البرلمان بأوقات قياسية على هبات ومكافأت واثمان ايفادات تخصهم ، كما لا تمت السيدة زريفة باية صلة ايضا للذين يستعجلون دائما المنافسة من اجل ان يكونوا امام الكاميرات بكل ما لديهم من (الرسائل) الطائفية والمناطقية والاثنية ويعلنون خطر التجول في عقولهم .

ان ما قالته لي السيدة الناجية زريفة كان منتهى الحكمة التي تكلل عقلا متوازناً زاخراً بالعفوية والشفافية ، فقد افادت أنها تراهنت مع نفسها على امكانية البقاء في بيتها مهما كانت النتائج مدمرة ، بل وقالت ان كل زاوية في هذا البيت الصغير كان هناك كائن جميل يتراوى لي يقول لا تغادري فشعرت بالخجل من الهروب والفرار على الرغم من ان البيت نفسه تحول الى قلعة عسكرية بنظر المسلحين يداهمونه بصورة متكررة ، وكانت هناك نداءات لمواطنين تحثني على ان اغتنم الفرصة واغادر ففضلت (غم) البقاء , بل واسرت الي ان اكثر من مسلح واحد عرض عليها فرصة  الهروب والتوجه الى اربيل مقابل فديه لكنها بسطت يديها امامهم لتقول في كل مرة لا املك مالاً ولا ذهباً .

لقد كانت السيدة زريفة رسولة الشجاعة ، أعني الخوف المقهور ومنافسة صعبة للشدائد وتعلم لغة الانتظار الممل والقاسي بجدارة نخلة عراقية تعرف كيف يكون الوقت تحت رحمتها وليس العكس هي نسيج التواضع والشموخ والبساطة والخوف القاسي ، وهي ايضا نسيج قامة عراقية لا تعرف الانحناء للرياح ، تخلت عن تواريخ الايام والاسابيع والشهور والليل والنهار الى اليوم الذي فتح الباب امامها لينادي عسكري عراقي انها ما زالت على قيد الحياة ، كان يوماً مشهوداً كررت فيه الحمد لله كثيراً ، وكانت في تلك اللحظة لا تملك كسرة خبز صغيرة  .