Skip to main content

نزوح نينوى مأساة مركبة وضياعات عديدة

نزوح نينوى

مأساة مركبة وضياعات عديدة

                                                  وليم وردا

رئيس تحالف الأقليات العراقية

مقال الاستاذ وليم وردا الذي نشرته صحيفة المشرق يوم السبت 26/6/2016 العدد 3522

 

     لم اجد خلال متابعاتي الميدانية والحقوقية المتواصلة لشؤون النازحين والمهجرين قسرا من محافظة نينوى عموما ، اقول ، لم اجد اية مسوغات مقنعة للإهمال الإعلامي لأوضاع هؤلاء المواطنين العراقيين المظلومين ، أنا لا أنكر هنا حصول متابعات لأوضاعهم في الإعلام العراقي ولكنها متابعات متباعدة وموسمية وليست ضمن خط بياني واضح من عمليات تسليط الضوء على أوضاعهم المزرية بما يؤدي الى دفعهم ضمن اولويات الراي العام العراقي .

ان مسؤولياتي في شبكة تحالف الاقليات العراقية ، وكذلك من خلال مسؤولياتي في منظمة حمورابي لحقوق الانسان وادارتي للعلاقات العامة فيها جعلني على بينة من هذه القضية التي دخلت عامها الثالث في العاشر من حزيران للعام الحالي 2016 ولذلك استطيع ان اسجل الحقائق الاتية بشانهم :

الحقيقة الاولى وتتمثل بالبطالة التي تخيم على اغلب النازحين بعد ان فقدوا أعمالهم في مدنهم وبلداتهم ويعيشون حاليا تحت وطأة الاختلاط الجبري والمشاركة في الخدمات على قلتها والضعف الذي يسودها وغياب استقلالية حقيقية للحياة الزوجية والعائلية وكذلك التذبذب في موضوع استلام الرواتب الشهرية وعدم استلامها بشكل منتظم ، الى جانب عدم قدرة النازحين في تحريك حساباتهم المصرفية بعد ان سيطر داعش على المصارف في مناطقهم .

الحقيقة الثانية تتعلق بالوضع الخدمي للنازحين إذ لا يوجد مخيم واحد من مخيمات النازحين تتوفر فيه الخدمات الكاملة لا في نوعية مياه الشرب ولا الاستخدام المنزلي أو الصحي ، الى جانب انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة ولساعات طويلة قد تصل احيانا الى اكثر من 16 ساعة .

اما الحقيقة الثالثة فهي بشان الوضع الصحي العام والواقع النفسي للنازحين إذ لا يخلو مخيم من مخيمات النازحين من اصابات مرضية جسدية بعضها يتعلق بالامراض الجلدية كالجرب وحبة بغداد واخرى بامراض باطنية وقلبية وغيرها نتيجة سوء التغذية واختلافات البيئة ونقص النظافة وغيرها ، وكذلك تفاقم الحالات المرضية لانه ليست هناك عيادات طبية ثابتة بالمخيمات وان وجدت فهي تفتقر للاطباء الاختصاص وللادوية الجيدة، كما ان الواقع الاقتصادي يحول امام النازحين دون مراجعة عيادات الاطباء الاختصاص بسبب ارتفاع اسعار اجور الفحص والكشف السريري مع كثرة الامراض المنتشرة بين الاطفال والنساء ، اما في الجانب النفسي فاغلبهم يشكون من حالات نفسية قاسية نتيجة البطالة والاحباط والانكسار وقد انتشرت بين صفوفهم امراض نفسية مثل امراض الذهان والاكتئاب وحالات قلق وانسحاق يومية تتكرر مشاهدها، يضاف الى ذلك معاناة النازحين من صدمات واضحة خصوصا بين الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للبيع والاغتصاب.

اما الحقيقة الرابعة فتتعلق بالواقع التعليمي المتمثل بمعاناة النازحون على المصير الدراسي لأولادهم وبناتهم خاصة ان هناك نسبة كبيرة تقدر باكثر من 30% من الابناء تركوا الدراسة بسبب تغيير البيئة الدراسية وان وجدت مدارس لهم فاغلبها من الخيم والكرافانات والبيوت الصغيرة ووجود اكثر من مدرسة في مبنى واحد مع قلة الخدمات بالإضافة إلى نوعية ما يقدم لهم من إمكانيات  تعليمية ودراسات .

 أن انسداد الأفق الحالي باحتمال عودتهم في ظل التأخير في تطهير مناطقهم واحتمالية ان تخضع عودتهم الى المساومات السياسية  والابتزاز بضغط الكتل السياسية الكبيرة ، وكذلك نتيجة تذبذب الموقف الدولي العام إزاء هذا الملف والشد السياسي والأمني المستمر بين حكومتي الاقليم والمركز في بغداد... أقول ان انسداد هذا الافق قد اثقلهم بالمزيد من الاسئلة الحائرة .

ولي ايضا أن اتوقف عند تباين الرؤية والإرادة الوطنية المشتركة  وعدم التوافق على آلية موحدة لتحرير المناطق التي تسيطر عليها داعش وخصوصا مناطق سنجار وسهل نينوى .

أن عدد النازحين ضمن مخيمات ومناطق اقليم كوردستان ومناطق اخرى ، يشير الى وجود اكثر من (350000) ألف يزيدي، (300000 )ألف تركماني ،( 120000)ألف مسيحي ،( 200000) ألف شبكي ،( 10000 )ألف كاكائي  ومن الارقام الملفتة وجود (150000 )ألف معوق نتيجة الحروب وأعمال العنف، مع وجود اكثر من 45% من النازحين هم دون سن الثامنة عشر .

وضمن سياق حالة النازحين والمهجرين قسرا المشار إليهم انخفضت معدلات الاستقرار الاجتماعي وعزوف الأزواج عن التوالد بسبب الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشونها ، وفي سياق الحالة الاجتماعية أيضا لا بد أن نتوقف عند واقع مرير بل ومحزن اخذ يستشري مع مرور هذه المدة الطويلة من النزوح وتتعلق بانتشار حالات الانحراف الجنسي ، حيث اضطرت وتضطر بعض النساء والفتيات من النازحات إلى المتاجرة بأجسادهن لسد الحاجات الاقتصادية ، ومع ان هناك المزيد من التعتيم والسرية في ذلك فان الحالة تكاد تكون مكشوفة .

وثم ظاهرة أخرى تسبب بها النزوح تتعلق ببيع الأعضاء البشرية وليس التبرع بها لمرضى يحتاجون لها ، وهناك عمليات من هذا النوع قد تمت بسرية في بعض المستشفيات الأهلية بل هناك معلومات تفيد ان عراقيين لاجئين في دول الجوار العراقي باعوا أعضاء من أجسادهن مقابل عمولات مالية تحت وطأة الحاجة الاقتصادية.

لقد خلف النزوح تغييرا ديموغرافيا إذ تركز النازحون في مناطق ذات طابع واحد لغويا مذهبيا ودينيا ولربما عشائريا مع ارتفاع أسعار الدور السكنية في مناطق النزوح وزيادة السكن العشوائي وزيادة التجاوز على ألأملاك العامة ، الى جانب ارتفاع نسبة العاطلين من سكان مدن استقبال النازحين ووقوع العبء الأكبر من متاعب النزوح على المرأة وغيرها من الآثار التي سبق الإشارة إليها.